Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة القاهرة

أيها الكائن البشري: إقرأ لتصير إنساناً

أيها الكائن البشري: إقرأ لتصير إنساناً



أيها الكائن البشري: إقرأ لتصير إنساناً
بقلم السفير الدكتور/عبد الرحمن بسيسو

أقرأ لأنني كائنٌ بشريٌّ يُلْهِبُهُ السَّعي لإدراك جوهر إنسانيته؛ فالقراءةُ، بشتى أشكالها، وبتنوع مجالاتها المعرفية: الأدبية، والفنية، والجمالية، والعلمية، والتاريخية، والفلسفية، والأسطورية، والدينية الموغلة في الأسطرة والقدامة، والتكنولوجية التي شرعت في مجافاة كل قدامة وكل حداثة لتنفتح على أزمنة لا يَسِمَهَا ولا يُقررُ مآلاتها سواها، وكذا بتضافر الحواس والملكات والحُدوس التي تجعلها قراءةً مُمْكِنةً، مُبدعةً وخلَّاقةً، هي وحدها التي تؤهلني لإلهاب هذا السَّعيَّ العقلي والوجداني المُتَواشِج، ولإجادة توجيهه عبر إحسان التبصُّر في كل ما أقرأ، والتأكد من استيعابه وفهمه وتكثيف خلاصاته، ومن اكتناز هذه الخلاصات في ذاكرة العقل، لأتمكن من الوصول، عبر إعمالها وفي ضوء أنوارها، إلى الغاية المنشودة التي يُتَوِّجها وصولي إلى كمالٍ إنسانيٍّ يُنقصه، بالضَرورة، كلُّ كمالٍ يتم لي إدراكه؛ إذ لن يكون للكمال الذيَ نَشَدْتُهُ، وسعَيْتُ إليه، فأَدركتُهُ، إلا  أنْ يُحَفِّزَ الذَّاتَ الإنسانيةَ التي صرتُ إليها لحظة إدراكه على متابعة السَّعي لإدراك كمالٍ إنساني أعلى، وأجلَّ، وأسمى.

عبر القراءة الجادة، هَاتِهِ التي يتعادل فيها ما تنتجه من إمتاع ونفع مع ما تتطلبه من جهدٍ عقلي ومُثابرة، تتوسَّعُ حياة الكائن الإنساني وتمتدُّ في فضاءات الكون ومدارات الوجود، وتعمقُ إيغالاً في مراحل التاريخ البشري، والحضارة الإنسانية، وأحقابهما، لتلامس بدء الحياة البشرية منذ آدم إلى آخر إنسان سيُولد، ولتذهب صوب الإطلال على معرفة كل ما سبق وجود الإنسان في الوجود وكل ما اتصل بصيرورة وجوده فيه، وكل ما قد أعقب لحظة ميلاده وانبثاق وجوده التاريخي الحضاري المفتوح على وجود لا ينتهي ولا يتناهى.

لقد كان لهذا المخلوق، أو الكائن الوجودي، الذي كان في مُبتدأ وجوده كائناً بشرياً حيوانياً، أن يدرك، بتحفيز فطرته وعبرَ أولياتِ القراءة المتحركة، والمتشابكة: سمعاً، واشتماماً، وتذوقاً، وبصراً، وبصيرةً، ولمْسَاً، وحَدْساً، بين دواخل النفس وفضاءات الكون، بذرة إنسانيته التي أسكنها خالقُهُ أعماقَ وجدانه، فما كان له وقد أدركها إلا أن يتعهدها، عبر العمل الحياتي الدؤوب والمثابر ومتابعة القراءةِ الخلَّاقة، بالسقاية، والرعاية، والنَّماء؛ فصار بهذه المثابرة الحياتية القرائية، المضنية والمبهجة في آنٍ معاً، كائناً إنسانيَّاً لا يكفُّ عن نشدان كماله الإنساني المحتمل، والسَّعي اللَّاهب، عبر القراءة مصحوبة بالوفاء الإنساني للوجود الحَقِّ والعمل الحياتي المثابر، على إنهاض الإنسان الجوهري الكامن في أعماقه.

هذا، فيما أحسب، هو هدف القراءة الأسمى، وهو غاية كل مقاصدها وغاياتها، ولكنه هدف لا يتحقق بمعزل عن تحقيق أهداف تمكينية، عديدة ومتشعبة، تجعل أمر تحقيقه ممكناًً، وموشكاً على التحقق الفعلي، مع انبثاق كل لحظة حَيَاةٍ قادمةٍ.

ومن أهم هذه الأهداف التمكينية وأسماها: التحصيل العلمي والمعرفي؛ وامتلاك الدراية الكافية بتاريخ العالم ومسارات قاطنية وانبثاقات حضاراته الإنسانية، تلك المنفصلة في تواصل خفيٍّ لا ينقطع؛ ومعرفة الذات في ثباتها وصيرورتها وممكنات وجودها ومآلاتها، والإسهام؛ تأسيساً على تحقق هاته الأهداف التمكينية، في كتابة ثالوث: الذات، والآخر، والعالم، وفي التقاط نداءات الوجود المبثوثة في أثير الكون بقدر ما هي مبثوثةٌ في دواخل الذوات الإنسانية، المبدعة الكاتبة، التي تمكنت من جلاء وجودها الحيوي الفاعل في الوجود عبر النُّصوص التي أبدعتها مُنْهِضَةً كتابتها إياها على قراءاتها الإبداعية المتنوِّعة، المتواترة، والمتبصرة، للحياة والوجود، كنصين متفاعلين لا يكفان عن الجدل الحيوي، بل والصراع الاحتداميِّ الأزلي الأبدي، مع نقيضيهما: الموت والعدم،  لتكون هذه النصوص تجسيداً حيوياً لقدرة اللُّغة الإبداعية الشاعرة المتجددة، بشتى علاماتها وكلماتها، مقرؤةً مسموعةً، ومكتوبة مرئيةً، ليس على اكتناز صيرورات الحياة في كل الأمكنة والأزمنه، وعلى بثِّ رسائل الوجود في شتى مدارات تجليه وخفائه واحتجابه التي تعمرُ كوكبنا الأرضي، وكوننا، وكل الأكوان، فحسب بل على ابتكارِ  الحَيَاةِ، وإثْراءِ الوجودِ، وإماتةِ الموتِ، وتعديمِ العَدَمْ."


تاريخ النشر ::9/11/2023 4:53:48 AM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا