Mobile : 00436889919948 [email protected]
Follow us:

رئيس التحرير

تضادات عابرة

  تضادات عابرة



  تضادات عابرة

 طلال مرتضى*



مثل عرافة بائسة ضلت غواية الودع، أنا..
ها أنا استجدي وبكامل أهليتي دروب الحظ، عبر خيوط متشابكة، متقطعة في قعر فنجان القهوة الذي أولمته لنكسر معاً 
فوح هيل العزلة..
لا تصدقوا!..

أُدرك بأن الزوابع التي أرصدها الآن -في الفنجان- محض افتراض ذوبان البنّ في الماء حين الغليان، وكذلك أيضاً رسم الفارس الذي

 تشكل على حين رشفة، سيفه من خشب.

هززت الفنجان بعبثية كي يُرتب التفل الحكاية من جديد، القصة مملّة حدّ الاختناق، فالروح لم تعد تحتمل مغامرات "دونكيشوتية"

 جديدة.

 لبليب الإشارة في الهاتف كان يومئ بالتخمة، لكثرة الرسائل الواردة، والتي باتت ظل الواقع المهيمن حبل الوصل الافتراضي؛ لا شك

 كانت السبب في حلِّ كثير من المعضلات وبسهولة متناهية، ولكنها في الوقت نفسه أشبه بـ زاد لا يُسمن ولا يغني من جوع وبيل.

تصل العواطف عبر كلمات ملونة بهية، طعمها أقرب إلى نكهة الفاكهة المجففة.

مررتها سريعاً حسب وصولها المتسلسل، كثيراً ما أتجاهل بعضها، ليس من باب الإهمال أو عدم الاكتراث، بل لأنني بتّ أحفظ

 سياقات مضامينها من أسماء مرسليها، الذين يواكبون الحضور كرفع عتب، أو مما يُرسل لي من البلاد كإشعارات متفق عليها سلفاً،

 تدلي بأنهم لم يزالوا على قيد الماء على الرغم من ضراوة الحرب عندهم، وهذا باب آخر كضرب من ضروب العناد المفتعل لمقارعة

 الموت.

الأمر سيان بيني وبينهم، أنا أموت من العزلة في الدقيقة الواحدة ستين مرة، ولكنني لم أزل أفتعل الحياة بتحدّ رغماً عن أنفها؛ من

 خلال الكتابة، من خلال إيلام فناجين القهوة المتلاحقة، والتي تخرجني عن طوري في الصباح التالي، حيث لا مناص من الرضوخ

 لنداء المجلى المتخم، لغسل ترهاتي العالقة في بؤس تفل الفناجين، بعد ليلة مقيتة من هذربات الكتابة ومقارعة القصائد التي لا تفتأ

 شاعراتها المبدعات المتحررات من تمرير الإيحاءات الجنسية، التي تلهب أوردة القارئ، بعد أن يفككن أزرار دواوينهن، كي يسقطن

 حارس الوقت من حلمة المعنى، أو أن تضرب إحداهن عرض المجاز، لتركز بين "ساق البامبو" وسرة القمر أصبع عطشى؛ كسهل

 غواية ممتنع بالسنابل يستجدي حصاد الرغبة.

كذلك هم.. مثلي تماماً أموات -ممن في البلاد- يكابدون الموت، بالجوع والحرمان، كل لحظة.. يذهبون طواعية نحو حتفهم، لا

 مشكلة لديهم مع الموت، بعد أن اقتنعوا، بأنهم يساقون إليه بشرع الله، شهداء أبرار دون ثمن.

والأنكى في الأمر، أنهم لم يتململوا يوماً، تركوا بيوت عزائهم مفتوحة، مثل قصيدة النثر، تحكمها دساتير من التصاوير بنهاية متفلتة..

كلٌّ مازال رابضاً في مكانه مثل فزاعة حقل بأثواب بالية ملَّت عناد الريح، بانتظار الأجل، منهم من غادر على عجل، ومنهم يرقب

 دوره وما بدلوا يوماً في المشيئة تبديلا.

لا تنفعلوا كثيراً أيها القراء..

أعرف أن الخدر بدأ يتململ كـضيف ثقيل مفاز سطور القراءة، لكلِّ انكساراته وخيباته المتلاحقات.

أنا متيقن بأنّكم جئتم تبحثون عن فسحة أمل في القراءة، بعدما تبين لكم أنّ كلّ جرعات الأمل التي تجرعتموها قبلاً، كانت منتهية

 الصلاحية..

لم تتعلموا، أو أتعلم من تجارب الآخرين، ففي كل مرة تقعون وأقع معكم في الشرك ذاته، يالبؤسكم وبؤسي، تالله إنّ لفي المقال ضلالة.

آن للزمن أن ينتفض، ينتصب كالطود ليدافع عن ذاته، كما في الروايات على الأقل، لا ضير، له الحق في فعل هذا، فقد ملَّ أيضاً

 اتهاماتكم له، هو يدرك مثلي ومثلكم، أن تعليق كل خيباتكم وانكساراتكم على عاتقه، حق يراد به عدم الوقوف أمام المرآة..

أمام المرآة لا سبيل للاختباء، فهي وحدها لا تخاتل التصاوير..

حتى في الكتابة نحاول الالتفاف وراء المُضمر المخبوء أساساً دوح سهوب المعاني، والانكشاف أمام ذواتنا أمرٌ صعب، كيف لا ونحن

 من ابتدع كنايات المعاني، كـكذبة صنعناها للقبض على دوال القصص عبر الطريق الأقصر، وصدقناها مع مرور الوقت بحجة

 الغاية تبرر الوسيلة، وأن الضرورات تبيح المحظورات، حين استفقنا -بعد فوات الأماني- على دوي سقوطنا في شبهة التأويل.

 اللوحة: Veronika Tiefenbacher


*كاتب عربي/فيينا



تاريخ النشر ::3/11/2023 4:17:27 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا