Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة القاهرة

لوحة

لوحة

لوحة


قصة قصيرة/هــيــثــم هــمــامـون


علقت لوحة محرمة على جدار المعرض تحمل نكهة رطوبة دافئة، وكنت لحظتذاك واقفا وابنتي قبالة مشهد درامي مروع. وقطع أفكاري دخول شاب يرتجف حاملا السلاح، صارخا: لا حركة…في تلك اللحظة المرعبة ضممت ابنتي الي بعد أن أحسست بأسنانها تصطك من شدة الخوف كأصوات الصحون، والدموع تسيل في قاع بؤبؤها الأسود البعيد…آنذاك مالت الحاسة السادسة هامسة بأذني، لقد احتل المعرض …البعض يمضغ دموع مأساة والآخر يخفي في أعماقه قلقا له جذور سوداء كالشمس تذيب صمود الرجال والنساء.
يمم الملتم شطر عجوز يرتجف ارتجاف الموج، فحشرج العجوز كلمات غير مفهومة بروح فكاهة تخفي في أعماقه قلقا. أسكته المحتل معترضا: أخرج ما عندك…قاء العجوز ما في جعبته من دريهمات ثم جلس القرفصاء يندب حظه. في تلك اللحظة، سمعنا طلقات متقطعة …بندقية من طراز حديث، مشطها يتسع لتسع طلقات، وتبدو مجروحة وصدئة تماما…آه تذكرت لا تسألوني أين عرف؟ لا أذكر…المهم، صرخ أحدهم الشهيد يصلي. احتوتنا ساعتذاك عتمة تبسط كفها لمصير مجهول.
تكلمت البراءة قائلة: أبي…أبي، ألم تقل إن الرصاص يطلق على الوحوش؟ تساقطت كلماتها في رأسي كلوح زجاجي ما لبت قد انكسر، تمالكت نفسي فنهرتها خوفا عليها…صه…صه. صار المقنع أمامي على بعد أربعة أو خمسة أمتار ممتعضا: وسعوا الطريق.
تلاقت العيون وتكالبت الكلمات كالعلق، لم يتحرك أحد قيد أنملة فالخوف أكل ركب الناس، وأصبحنا أقرب من الموت الى الحياة. لم يقرر المصير بعد، ربما قد ذاب الإصرار الذي يحمله على القتل! وكأني تحت سطح شمس غشت المحرقة فاذا بنسيم أشجار زيتون الضفة الغربية صامدا بجدوره الحرة الوتدية، تقاوم وتعطي نكهة الحياة

حين يكون الموت في الجوار، وهي التي تعني الحياة كلها حين تعني الأشياء كلها الموت…آه، لا قيمة للحياة ان لم تكن، دائما واقفا قبالة الموت مستعدا.
ارتج المعرض ارتجاجا بأنفاس الحشود الساخنة، مأسورين بلا سياط أو سلاسل أو قيود أو عصا…تقتلهم الأحلام ان لم يتحملوها فأيام الشقاوة هرستها عجلة الزمن بلا رحمة أو شفقة.
مسد المقنع لحيته ضاحكا بهستيرية ككلب مسعور: من التالي؟ صمت الجميع وأدركوا أن المكسب أقل من الخسارة.
فجأة، لمحت شابا مندفعا كصياد، فقد قرر قراره …لكن القضية شبه مستحيلة، أية حماقة قد تسبب له نهاية عاجلة على يدي الملتم…فالأخير وقف وقفة لا يحسد عليها أبدا…غير قادر على استيعاب ما جرى، فقبيل التشابك صوب بندقيته اتجاه الشاب المسكين و نظر اليه مباشرة في عينيه و خيل اليه أن صوتا خفيضا قد رجف وراء ظهره، فأطلق طلقات عشواء، نهبت احداها جسدي بلا رحمة و الأخرى أسقطت لوحة ثقيلة كالأوطار…وانتزع الشاب النبيل البندقية منه بالقوة وهو يلهث: تجربتك فشلت هذه المرة، هذه أرخص سلعة على الأرض و الجميع يمتلكونها…ثم سمعت صدى ابنتي تبكي …الشهيد يصلي لكن لوحة القدس بقيت سليمة.

تاريخ النشر ::1/18/2024 9:20:13 AM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا