Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة دمشق

شرفات الكلام

شرفات الكلام



شرفات الكلام

أين تسهر هذا المساء؟!

أحمد علي هلال*

 

جملة مكتفية بشغفها، أثيرة يداعب من يطلقها همساً أو جهراً زمناً آخر يَعجّ بالأحياء قبل أن ترجمهم الرتابة، ويختطفهم التعب، وينظرون حدّ الذهول في أيامهم كيف تتشظىّ مراياها، ليذهبوا في شظاياها كأرقام فحسب.

قبل "رأس السنة" ثمة من يواسي زمنه ويتوسله أن يضع راحتيه بحريرهما الدافئ على خدّه وآخرون يمضون دون جرأة التفاتةٍ هنا على ظلّ خلفهم تعامد بشمس سريعة الخطو.. لكنهم وعلى مرأى زمنهم الذي لا يشبههم –ربما- يهمسون ذات رأس سنة: أين تسهر هذا المساء، تعال لنغسل أرواحنا، تعال إلى حيث يطيب السهر!

ولعله تواطؤ جميل أن يحزم –الجميع- أمتعته الروحية لينجو من براثن نهار هارب بلا معنى سيجثو عند عتبة العام الجديد، وعناوين السهر هي قطع من أزمنة وأمكنةٍ تتهادى طليقةً، ما زالت أسيرة شغف الغلابة والمترفين، من ناس أرادوا أن يمنحوا قلوبهم دقيقة حياة يدركوها بالعين المجرّدة، كيف تلد من رحم أحزان وآلامهم تخفض لها الأساطير قبّعاتها، ويتواتر السؤال ما بين العيون والآذان، أين تسهر... ويمضي صانعو "يوتوبيا" السهر، ليرموا للساهرين الجادّين خشب الخلاص ليمسكوا بها، سيما من كادوا يختنقون في عام مضى من انعدام الهواء كيف نأتي بالزمن الحنون، لنقول للموت: يا موت متّ وحيداً، يا موت ألا تموت بدورك أنت، يا موت تلطّف بنا كن صديقنا، لتمنحنا في عام آتٍ، مجرد نوم جميل، أو غفوة ناعسة!.

وتتدحرج الأسئلة فوق رأس السنة، وهي تبتسم لأسرى الانتظار، ابتسامة "الموناليزا" فلا أنت تعرف حقاً، هل تبتسم لك فعلاً، أم تبثّ حزناً كثيفاً، ما تلك المكيدة الموناليزية الحاذقة؟! وللسهر عنوان قالت عيون مفتوحة على المكان والزمان، لم تبحث عن الأضواء الساطعة، بل عن القلوب المتوهجة بالأحرف الأولى من العام قادم، المزينة بالتألق وبالبراءة، وقد غدا "رأس السنة" مطلوباً عفواً ليس على طريقة المذنبون، بل مرغوباً ويا للمصادفة فثمة من يقبل الرأس، وثمة من يضع رأسه برأسها، وفي كلا الحالتين تمور لحظات وداع ثقيلة واستقبال رشيقة، حسناً هيأوا للسهر... لنتبادل أرغفة الحنين المملحة ولا تخشوا أن يفسد ملحها، ولتتناول قلوبنا لقيمات الفرح، وتلون شفاهنا الكلام لألف انتظار لفجر آخر، كي لا نردد على الدوام أغنيتنا الحزينة "غاب نهار آخر" والتمعت فكرة في رؤوس حراس الصخب: نستأنف هذا اليوم أحلامنا المختطفة كي لا يأتي صباح ثقيل الظل.

لكن الرأس –رأس السنة- تطل من النوافذ ومن ركام الأنقاض، وتطبق ثغرها دهشة وانكساراً على ما تبقى من البيوت والجدران والنوافذ، على الأجساد الطرية المتناثرة هنا وهناك، على رجلٍ فقد طرفه يلتفت بحثاً عن صغاره في زحمة التغريبة المعاصرة، على عجوز لفظت من حلقها طعم الموت، وراحت تهيأ البالونات الملونة لأطفالٍ سوف تلتقيهم مصادفةً لتغني لهم وتلتقط معهم صورة للذكرى، عجوز عادت من الموت تواً يتأبط قلبها فرحاً ببضع غزالات مشى بهن الطريق، أطفال جربوا الغناء ليؤنسوا حكايات ناس ينصتون الآن إلى المتبقي من أحلامهم، تلك التي تركوها في بيوت ستنهض يوماً.

يتلفت الرأس ليغازل حزن العيون ويلتمع في الليلة الأخيرة التي لن ينام باكراً فيها ليلحق  بعصافير الوقت وشجيرات اللوز ويمتص اللهب ويهش بجبينه العالي قذائف الإرهاب، لئلا تخطف أحلام العصافير فينطفئ ضحكها، وينصت الرأس لأصوات الناس "الغلابة": تحيا الحياة.

الساهرون –ربما- ظلوا في أماكنهم والرأس فقط من تجول عليهم علّها تجيد الوقوف على مرمى خفق قلوبهم وتأوهات عشاق رائعون، وتهمس وهي تتكئ على حافة الجراح الطرية: إليّ بقلوبكم وأقلامكم يا ناس الحكايات.

وتفيض الجراح أنهاراً لتكتب: لست العام المستحيل –أيها القادم- لنخرج إليك مثل يمام عاشق، أو نسوراً ظلت في أعاليها: صباح الخير.


*كاتب وناقد فلسطيني/ دمشق

 

 

تاريخ النشر ::2/3/2024 5:15:55 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا