إياكم
والوقوع في شرك الحلم
لربما
لن تأتي
طلال
مرتضى*
في
هزيع الحلم الأخير وقبل انتهائي من قراءة تداعيات اسئلة غيابك، راودتني فكرة وصولك،
قلت لي:
_ تلك أضغاث حلم بليد!
لان
من وضبت حقيبة رحيلها على مهل، ستكون طريق العودة عصية عليها.
ثمة
كسرة قمر مصلوبة بين نجمتين غاويتين كانت تطالعني بدهشة مفرطة من وراء غبش زجاج
نافذتي
عن
سابع قصد شددت الستارة كي لا أفتح معها جدلية أسئلة الغياب من جديد.
صوت
الليل يا مريم كما يقول عصام العبد الله الشاعر في قصيدته كمين:
"بي
ودّي"
ذاك
القمر المشطور لم يكف عن الثرثرة، كان يتناهى لمسمعي وانا غارق في لجة الحلم لهج
امتعاضه وعناده في مناداتي:
لتبقى
غارقا في حلمك ايها البليد، سوف تصل في القطار الاول ولن تجدك في انتظارها،
يالعاقبة الحكاية، ابق كما انت في سريرك البارد الحواف، لكنها حين تركب قطار
عودتها مجددا، لن تنفعك كل تلك القصائد البائسة التي شنقتها على أثير الشابكة.
لكنها
لن تأتي، لأن من يغادر على غير وداع، لن يفكر بفتح دفتر العودة، لأنه يدرك ان كل
الأناشيد المرقونة طيه، محظ هباء.
_ سوف تأتي مع أول قطار يكسر هدوء صباح مدينتنا
_ لن تأتي
_ ستأتي
_ لن تأتي، لكنها قد تأتي، لربما
هذا
لا يسمى في عرف السجال مجرد عناد، بل تواطئ، كيف استطاع قمر هزيل لا مأوى له بأن
يقرر إن كانت ستأتي أو لا تأتي!
_ ستأتي
استقمت
بحنق، اردت لطمه من وراء زجاج النافذة ولكنني عندما شددت الستارة وجدته قد توارى
وراء غيمة، وربما تعلق بها لتأخذه نحو جهة غير ملغومة
قلت
لي وانا بكامل أهليتي، ولماذا هذا العناد، ولماذا لا تأتي وقد خرجت وهي بكامل
وردها؟
حين
استفقت على هروب القمر، طارت من راسي سكرة مونولوج الحكاية،
كما
الملح ذابت تفاصيل الحلم في هباء النسيان، إلا من نداء بعيد مازال يترد:
_ ستأتي
وصوت
عميق ينادد بداخلي:
_ لن تأتي
_ ستأتي
_ لن تأتي
_ ستأتي
سألتني،
متى ينتهي هذا السجال العقيم، ولكنني بقيت على غير جوابة ضائع في معمعة عناد الأسئلة،
وكي لا يفوتني وقت صلاح الفجر، استللت صورتك من تحت وسادتي، توضأت بهدل عطرك الذي
يغرق زوايا غرفتي الباردة، ثم وجهت وجهي نحو قبلة عينيك مؤذناً:
الله
أكثر عشقا
الله
أكثر عشقاً
حي
على العناق
حي
على العناق
وأنا
أتلوا أوراد اشتياقي تذرعا
يا
رب آلهات المنفى
يا
رب النساء الغائبات.. الغافلات.. الغاديات.. العاديات.. الأخذات.. العاطيات..
الباديات.. العاذلات.. الدانيات.. الهاربات.. العائدات.
من
وراء سدرة الصمت الرهيب، قمر خاشع يؤمْن ورائي:
_ مين.. أمين.. وستأتي
الطريق
نحو محطة القطار ليست طويلة، في البعيد تراءى لي خيال امرأة يحتضنها مقعد المحطة
الخشبي القديم، قلت لي:
لم
يكن حلما وكي لا يدخل الشك سريرة قلبي، قلتها بصوت مسموع: لم يكن حلما
حين
شاركتها المقعد الطويل، أيقنت بأنها جلست هنا لليلة كاملة، كان هذا جليا حين عددت
أعقاب السجائر بين قدميها.
_ لابد ان قطارك تأخر كثيرا
لعلي
للتو طرحت سؤالا غبيا عليها يا مريم، لا اعرف كيف لم انتبه بأنها لا تحمل حقيبة
سفر، كل عدها وعديدها علبتي سجائر،
احدها بقلب خاو إلا من سيجارة أو سيجارتين
وهاتف تتقطع أنفاسه بين الدقيقة والدقيقة معلنا نفاذ بطاريته من الطاقة.
_ على مد هذا الليل الطويل مرت القطارات بتواتر لكنه لم يأتي،
ولربما لن يأتي، وأنت هل تنتظر وصل أحد؟
_ أنا انتظرها أيضا ولربما لن تأتي.
حارس
المحطة استفاق على ضجيج انتظارنا، طبخ قهوة صباحه المعتادة ونادى عليّ، لكونه يحفظ
تفاصيل وجهي عن سابق انتظار، تعال وخذ قهوة الصباح.
حين
حملت كوبي القهوة غافلني بالسؤال:
_ هل أتت؟
_ نعم اتت.. إلا تراها.. قد أتت.
لعل
صوتي وبالفعل هذه المرة كان مسموعا جدا
استفقت
على لكز "بهية":
_ طلال.. طلال.. مين هذي اللي اجت.. مين؟
كاتب
عربي/ فيينا