فرنسا
لاعب أساسي في زعزعة الاستقرار العالمي
دعم
الحركات المناهضة للأنظمة الدولية
د.
أميرة عبد العزيز*
على
مر العقود، كانت فرنسا دائمًا لاعبًا محوريًا في الشؤون الدولية. إلا أن دورها لم
يكن دائمًا إيجابيًا فيما يخص الاستقرار العالمي، حيث اتهمت بدعم العديد من
الحركات المناهضة للأنظمة القائمة في دول مختلفة. من الثورة الإيرانية إلى
النزاعات في إفريقيا والشرق الأوسط، نجد أن العديد من الحركات التي تمردت على
أنظمتها تلقت دعمًا أو تسهيلات من باريس، ما ساهم في زعزعة استقرار هذه المناطق.
فرنسا
والحركات المناهضة للأنظمة الدولية
فرنسا
كانت ولا تزال ملاذًا للحركات المعارضة أو الثورية التي تستهدف الأنظمة الحاكمة في
بلدانها. هذا الدور، وإن كان يندرج ضمن إطار الدفاع عن حقوق الإنسان أو دعم
التحولات الديمقراطية كما تدّعي باريس، إلا أنه ساهم في تأجيج النزاعات الإقليمية
وتعميق الأزمات.
الخميني
والثورة الإيرانية
في
عام 1978، لجأ آية الله روح الله الخميني إلى فرنسا بعد نفيه من إيران، حيث استقر
في ضاحية نوفل لو شاتو. خلال إقامته في فرنسا، استغل الخميني الحرية المتاحة
لتوجيه خطاباته المعارضة لنظام الشاه، والتي كانت تُبث إلى إيران وتؤجج الثورة
الشعبية. فرنسا، بتوفيرها ملاذًا للخميني، ساهمت بشكل غير مباشر في نجاح الثورة
الإيرانية عام 1979، والتي أدت إلى تأسيس النظام الديني المتشدد الذي لا يزال له
تأثير عميق على استقرار منطقة الشرق الأوسط حتى اليوم.
الماك
والحركة من أجل تقرير مصير القبائل في الجزائر
الحركة
من أجل تقرير مصير منطقة القبائل (الماك) هي حركة تسعى للحصول على الحكم الذاتي
لمنطقة القبائل في الجزائر. على الرغم من أن فرنسا لم تدعم الماك رسميًا، إلا أن
تسامحها مع أنشطة الحركة على أراضيها، ووجود العديد من قادتها في فرنسا، جعل
الجزائر تتهم باريس بدعم هذه الحركة الانفصالية. هذا التوتر يعزز من زعزعة استقرار
الجزائر ويسهم في تعميق الخلافات بين البلدين.
الأكراد
ودور فرنسا في الأزمة السورية
خلال
الصراع السوري، كانت فرنسا من بين الدول التي دعمت المعارضة السورية في مواجهتها
لنظام بشار الأسد. ومن بين هذه القوى المعارضة، كان الأكراد في شمال سوريا الذين
سعوا إلى تحقيق الحكم الذاتي. دعم فرنسا للأكراد لم يعمق فقط الخلافات بين دمشق
وقوات سوريا الديمقراطية، ولكنه أيضًا أغضب تركيا، التي تعتبر الحركات الكردية
تهديدًا لأمنها القومي. هذا الدعم الفرنسي للأكراد ساهم في تصعيد التوترات في
المنطقة وأدى إلى تعقيد الأزمة السورية.
البوليساريو
وقضية الصحراء الغربية
قضية
الصحراء الغربية تعد واحدة من النزاعات الطويلة الأمد في شمال إفريقيا. جبهة
البوليساريو تسعى لاستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، فيما تدعم فرنسا بشكل تقليدي
المغرب في هذا النزاع. ورغم أن باريس تدعم رسميًا سيادة المغرب، إلا أن بعض
التيارات داخل فرنسا، بما في ذلك منظمات حقوقية وأحزاب سياسية، تتعاطف مع مطالب
البوليساريو. هذا التناقض بين دعم الدولة الرسمي وتعاطف بعض الجهات المحلية، أدى
إلى استمرار النزاع في الصحراء الغربية وتفاقم التوترات في المنطقة، مما يعزز حالة
عدم الاستقرار في شمال إفريقيا.
الدعم
الفرنسي للثورة الليبية
في
عام 2011، كانت فرنسا من أولى الدول التي دعمت الثورة الليبية ضد نظام معمر
القذافي، حيث شنت غارات جوية مع حلفائها لإسقاط النظام. رغم أن هذه الخطوة اعتُبرت
حينها انتصارًا للحرية والديمقراطية، إلا أن التدخل العسكري الفرنسي ترك ليبيا في
حالة من الفوضى. تسببت الإطاحة بالقذافي في انهيار الدولة ودخول البلاد في صراع
داخلي مستمر، مما جعلها بيئة خصبة للجماعات الإرهابية وتجارة البشر.
العلاقة
مع المعارضة الرواندية
أثناء
الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، واجهت فرنسا اتهامات بدعم الحكومة الرواندية
السابقة المتورطة في الفظائع. بعد انتهاء الحرب، واصلت باريس علاقاتها مع بعض
الجماعات المعارضة للحكومة الرواندية الحالية، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين
فرنسا ورواندا، وترك أثرًا على استقرار المنطقة
التورط
الفرنسي في الساحل الإفريقي
فرنسا
كانت نشطة في منطقة الساحل، حيث تدخلت عسكريًا في دول مثل مالي وتشاد وبوركينا
فاسو، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. إلا أن هذه التدخلات العسكرية، رغم أهدافها
المعلنة، أثارت استياء بعض الحركات المحلية التي رأت في الوجود الفرنسي محاولة
لاستعادة الهيمنة الاستعمارية القديمة. هذا الصراع أدى إلى زيادة التوترات في
منطقة الساحل، حيث أصبحت ساحة للتمردات المسلحة والتدخلات الخارجية
الاستنتاج
فرنسا،
رغم دفاعها عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، كانت متورطة بشكل مباشر
أو غير مباشر في دعم حركات سياسية وثورية ساهمت في زعزعة الاستقرار في دول ومناطق
مختلفة. سواء من خلال توفير ملاذات آمنة لقيادات معارضة، أو بدعم حركات انفصالية،
أو التدخل العسكري، لعبت باريس دورًا محوريًا في العديد من الأزمات الدولية التي
لا تزال تأثيراتها مستمرة حتى اليوم
خاتمة
الدور
الفرنسي في الشؤون العالمية يعكس مزيجًا من المصالح السياسية والاقتصادية
والأيديولوجية. ورغم أن باريس تسعى لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية، إلا أن
سياساتها في دعم الحركات المناهضة للأنظمة القائمة أسهمت في زعزعة الاستقرار في
مناطق متعددة حول العالم
*أكاديمية مغاربية/ باريس