التيه
التيه
قصة قصيرة/هيثم همامون_المغرب
بعد موته لبرهة استيقظ باالعربي تائها في منزله البئيس، جمع حجاه ولبس معطفه المقلوب متنهدا: العالم لا خير فيه إذا كان الانسان يموت الى الأبد.
يريد أن يحرر قداحته فأبت أن تخرج حتى عندما تنفست سقطت مدوية...ردد باالعربي لا شيء يسير وفق العادة...آ خرافة القمر مجددا؟
نكس باالعربي نفسه ليحمل قداحته الثقيلة، فأبت الا ان يسقط هو الآخر. نفض عن معطفه التراب منزعجا تهاجمه النكبات والضياع، لا الغرفة هي عينها ولا المنزل، ركض مهرولا ليخرج من بابه المفتوح فانقض على جانبيه ممتنعا عن الخروج...آ هناك من يرفض الحرية؟!
نظر الى القمر مسدلا أشعته واهنة مترهلة تصارع الظلام تدخل بتثاقل ناحية الباب وكأنها تزاحم الدهماء، استبشر باالعربي خيرا بقدوم الليل ...وبعد أن استعاد توازنه رمق غرابا أبيض يحوم اهليليجيا حتى سبب له الدوار... ولسان حاله يقول: ما هذه الخرافة؟ ربما الآثار الجانبية للدواء أو القلق والتوتر.
تشجع أخيرا للخروج مجرجرا رجليه الثقيلتين متمايلا راجيا من الشمس أن ترسم أشعتها على البسيطة، فالليل قد عشعش طويلا، يتقدم باالعربي وفهمه مغيب.
فجأة يتخيل اليه أنه أهدى طفلة صغيرة شيئا، فردت عليه مغاضبة: عملة قديمة سيدي! ...ازداد باالعربي تأزما وانقسمت نفسه نصفين، بين حنين الخرافة وحنين الضياع، لم يدم طويلا حتى استغاث بصرخة منخفضة متسائلا: من أين أتيت؟ وما يدري باالعربي؟ كأنه تساقط كزخات مطر عنيفة متأثرا بمد وجزر القمر.
سارحا في قارعة الطريق بحثا عن المعنى، تدارك فاستدار فعرف أن الطريق ضاعت به، قاوم نفسه مرارا وتكرارا لكنه أدرك أن لا أمل. لماذا خرجت أصلا؟ عاش الرعب والإهمال وقساوة الأحداث...
تقضمه الأفكار والخواء النفسي، أحس باالعربي كأن العالم يقاومه في مشيته والأرض تبتلعه رشفة رشفة، وينمو عكس تطلعاته...باالعربي الانسان؟ الانسان الغريب.
انكمشت جفونه خوفا وأدرك أن الطريق طويل، لا يسمع خلاله الا عواء الذئاب ونباح الكلاب، سخر باالعربي قواه الضئيلة في التشاؤم والأنين، فصارت الأوهام، أوهام الخرافات ترشقه بغزارة وعنف.
تماطل وجوده في المكان حتى مرت الدقائق كالسنين و ظن أن الوهن قد حصله في الطريق، فهم أن يدخل يده ليخرج قداحته ففطن لمعطفه المقلوب، واحسرتاه! ضاعت القداحة...آه آه حتى القداحة حرمت منها.
تحت ظلال القمر والوحشة يختبر الانسان، يفتح عقله للعبر ويزرع النضوج في أرض الصبر ويكبر حجم الفرص للاكتشاف، ويفتح أبواب الفهم لزوايا جديدة.
استتب الخوف في الرجل، وما أن أدرك وميضا غير بعيد، ومع كل منعطف يحمل في طياته المجهول، أخذ يصيح وينفخ ومع اقترابه، نطق صوت الحكيم داخله: تقدم باالعربي...أجابه الى أين؟ انفجر الرجل مرتعشا مرددا: الخرافة مجددا ...ثم تقدم باالعربي مرة أخرى...
تاريخ النشر ::1/18/2024 9:25:28 AM
أرشيف القسم