التذكارات الناعمة زاد الرجل البعيد
التذكارات الناعمة زاد الرجل البعيد
امنيات ليوم أجمل
طلال مرتضى*
وأنت تغادرين خذي كل تصاوير القصائد التي ارتكبنا وزر لحظتها،
بالنسبة لي ما عدت قادرا على تعليقها فوق مشاجب قلبي، لدي ما يكفي من قصص الفقد
المصلوبة على خشب ذاكرتي بحجة الخلاص، خذي كل تذكاراتك الناعمة التي تكتظ بها فسحة
سرير غوايتنا، الحريق الذي كان يلهب أطرافه دهمه طوفان الفراق فأطفئ به نهنهة
الزيت
قبل ذهابك علميني كيف أنزع تفاصيل عطرك المزروعة طي
وسادتي، كيف اتخلص من دخان سيجارتك العالق في كل ارجاء غرفتي التي أغرق البرد
حواسها، بعرف الشعر لا يقاس دخانك العالق هذا بمقاس الدخان، في القواميس يعرف بأنه
تراكم أنفاس، أناهيد وتمتمات مكتظة بالكثير والكثير يا مريم
قبل ذهابك ردي لي كل بنات أفكاري اللواتي غررت بهن حين
وصولك، لا أدري كيف طاوعني قلبي على تركهن وحيدات في سجن مملكتك، كيف استطعت
ترويضهن على غير ضجيج! كن يعثن في رأسي كبنات الحلم، لا يعرفن الاستكانة ولا
الهوادة من دون أن يشعلن بي حريق الشغف
وأنت تطوي آخر صفحة كتبناه معا على ضفاف الدهشة، وقت
اوقدت لي كل فوانيس غوايتك لنذهب نحو جهة جنوننا، تذكري كيف استحال_ ندى أصابعنا
المتعالقة ببعضها البعض كسلك كهربائي_ إلى حبر، لم تزل تفاصيله عالقة على ارديتنا
في المدن الفاضلة يا مريم يعيش عابر حبرها ألف عمر على
تذكار وحيد، تركته امرأة بعيدة على غير انتباه قبل أن تعود نحو جهة غيابها الأولى
سألتني عاذلة وهي بكامل غيرتها، كيف ستحيا حين تغادرك
أيها البائس؟
لم تكن على دراية بأنني أولمت الكثير لمثل يومي هذا
ضحكت وضحكت وضحكت حتى امتلأت اشداقي بزبد العطش، قلت
لها:
لم ازل احتفظ بفنجان قهوتها الأول، حينما قرأنا لبعضنا
البعض كل تفاصيل الخطوط المرسومة، حتى اننا وفي لحظة جنون ربطنا خطوط الفناجين
ببعضها ليصير درب الوصول أقرب، هي وعلى غير نية اكتشفت في قعر فنجانها فارسا مغوارا
يجدف في تفاصيل تفل البن للخروج وأنا كذلك، عند ارتكابي اخر رشفة تراءت لي صورة
أميرة وهي تجلس على ضفة الحلم، ستضحكون على خيبتي كما ضحكت أنا قبل قليل، أنا لا
اسميها خيبة كما تضنون، يمكنكم معاينة بصمة أصبعها والتي تركتها لي كوسم في قعر الفنجان
بعد أن تحرر فارسها والتقى بأميرة الفنجان الاخر
تذكارات مريم الحاضرة بي أكثر من أوقات حضورها، ولأني
رجل حالم، تلك المنمنمات تمدني لألف حياة قادمة
على سيرة التذكارات، قبل قليل دخلت غرفة نومي، حيث كانت توظب
حقيبة وجعنا وتتهيأ للرحيل، لم تنس وكالعادة أن تقف أمام المرآة لتعاين اكتمال حلة
خروجها، هذا هو طقسها المعتاد، بسهولة تستطيع مواراة حزنها أو تعبها ولكنها لا
تستطيع أن تخبئ فرحها لأنه ليس ملك لها وحدها بل لكل من يعبرون سبيل دربها
وهي تستعد لغلق باب الملقى نسيت سيجارتها مشتعلة، لعلها
لم تمجمها سوى مرة أو مرتين وهذا يمكن معاينته من رماد السيجارة، وجدت تلك
السيجارة تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تخنق بأحمر شفاه مريم الفاقع
من يبحث عن التذكارات يجدها في أصغر التفاصيل، التذكارات
زاد الرجل البعيد، يطهو بها قهوة حلمه على مهل الانتظار وهو يمني روحه بأن يومه
القادم أجمل.
*كاتب عربي فيينا.
تاريخ النشر ::8/18/2024 2:59:51 PM
أرشيف القسم