"صنعاء، القاهرة، الخرطوم" رواية المطارح!
"صنعاء، القاهرة، الخرطوم" رواية المطارح!
للكاتبة تسنيم طه
طلال مرتضى
بعيدا
عن دلالة العنوان المكشوفة "صنعاء، القاهرة، الخرطوم" كنقطة ارتكاز
مكانية للحدث الروائي، تتبدى الحكاية على ما نحن مقبلين على ارتكابه قرائيا
وبانكشاف تام ودون مواربة وعلى مبدأ المثل: المكتوب مقروء من عنوانه ومنذ جملة
الراوية الأولى: أخير سأتزوج وسيرتاح الكل. ص5
وهو
ما فتح باب السؤال البديهي، هل ما ارادته الكاتبة السودانية تسنيم طه، وعندما رمت
مفاتيح روايتها بيد القارئ منذ صفحتها الاولى، بقصدية التحدي أم هي مغامرة الكاتب
الواثق؟
هذا
بمعزل عن معرفتها التامة بنرجسية قارئ هذا الوقت العالية، فالمكان تجلى بحكم
العنوان والحدث كما الحال، انفتحت بوابته على مصاريعها وكما أسلفت منذ الجملة
الأولى والذي يشي بأننا ذاهبون مكابدة حكاية امرأة نصادفها في اليومي عدة مرات أو
نحن مقبلين لقراءة حكاية توثيقية تتوسل حيوات المدن ذات العلاقة بالعنوان العالي
القارئ
العارف أو العليم لا يكمل قراءة عمل إبداعي يسلمه مفاتيحه منذ مطالعة الغلاف أو
جملة الحكاية الأولى، لكنني على عكس ما ذهبت إليه، عندما أتممت القراءة حد كلمة
النهاية أو الخاتمة وذلك بقصدية الوقف على تداعيات هذا العمل وتسطير ماله وما عليه
مع يقيني التام بأن خطها كرواية لن يخرج من إطار قصة تلك المرأة التي آن موعد
زواجها أو الحكاية التوثيقية لمدن العنوان..
وهنا
لابد أن أشير إلى أن انكشاف القصة أو الفهم الأول لما يخبئه العنوان، قد يفسد
العمل الروائي، فهذا ما لم أتقصد بصراحة، إنما اردت التنويه لمزاجية قارئ اليوم،
فالقارئ الذي لا يجد نفسه شريكا في أي عمل قرائي لا يتمم مطالعته، وأعني بالشراكة
هنا أن يترك الكاتب فرصة للقارئ يبحث من خلالها عن هذه المفاتيح.
من
باب أن أي عملا أدبيا أو فنيا يقوم على أسس بنائية مدروسة ومحسوبة، نقطة ارتكازه
أو ما يسمى (المعمار الفني) أشي بأن الكاتبة طه _وعلى الرغم من إن هذه الرواية هي
باكورة أعمالها الروائية_ كانت على دراية تامة بالأدوات المعرفية لبناء العمل
الروائي، لهذا يتلمس قارئ روايتها بأن الخط البنائي للرواية متماسكا منذ حجر
الأساس الذي بدأ بشمس البطلة محور الحكاية وانتهى بها، فهي عمودها الفقري الذي
علقت على كاهله كل علائق هذا العمل، بغض النظر عما تفضي إليه هذه العلائق من
تداعيات وما تعتمر من نوايا وأحاسيس، وليقين الكاتبة التام بأن النص الروائي يحتمل
الكثير والكثير من تلك العلائق مع شرط الاحتفاظ بالخط الرئيس والذي يودي إلى
النهاية، وهذا ما كانت عليه الكاتبة طه بالفعل باستثناء كسرها للزمن الروائي
تشعبات
الحدث _الذي اتخذ من صنعاء والقاهرة والخرطوم مرتعا له_ اسهمت بما بكسر الزمن
الروائي وهذه نتيجة طبيعية عندما يقوم الحدث الروائي على خط واحد، وأعني هنا حكاية
شمس، بالموازنة ما بين فعالية الحدث والوقت في مثل هذه المرويات، سيجد الكاتب حائط
الزمن عاليا أمام حدثه، ولهذا ذهبت الكاتبة طه إلى فعالية تشذير الوقت لجبر الكسر
وتعمية سؤال الزمن من خلال ضخ السرودات أو ما وصفته أعلاه بالعلائق الاخرى، وأعني
بالتحديد المنولجات وزج الكثير مما تختبره الكاتبة من ذاكرة فنية ومعرفية واسعة
كاستحضار أغان الزمن الجميل والغير جميل والمقولات التي يراها الكثيرون بأنها
لازمة وضرورية لجعل النص مثقفا، تقول العرب: الحجر الصغير في مكانه قنطار، وأعني
بهذا لو أن تلك العلائق أتت لرفع من سوية النص المسرود أو جره بأن يكون نصا مثقفا
لكان المقال مغاير، فكل هذه المنولجات والاضافات جاءت لغاية بعينها، وهي جبر الزمن
ثمة
نافذه أود فتحهها على بهو القراءة، كي أسلط الضوء من خلالها على فعالية مهمة،
وأعني بذلك إلى ان جل ممن يكتبون الرواية، يعرفون قواعد لعبة الكتابة، فكتابة عمل
روائي يمكن أن يرتكز على قصة ملهمة أو فادحة يشكل الكاتب منها حدثه أو ممن يتكئ
على فعالية اللغة والمقدرة على السرد الماتع كما في رواية صنعاء، القاهرة، الخرطوم،
ليبني عملا روائيا، ومنهم من يبنيه بكلتا الفعاليتين، الحدث واللغة، ومن المؤسف
أنه وبكل الحالات لا يمكن لأحد أن ينفي على ما تحدثت عنه، اسم رواية، فمن جهتي أرى
ان الرواية هي تأثيث وذاكرة، فالرواية التي لا تؤثث في ذهنية قارئها حالة أو
أمثولة فهي لا تتجاوز حدود النص المسرود وهذا بغض النظر عن الهوية أو التجنيس..
وللشرح،
عنيت بالحالة أو الامثولة وعلى سبيل المثال الشخصية المرجع أو المحورية أو حالة
تبقى عالقة بذهنية القارئ يعودها على حين قراءة أخرى للمقاربة، فمثلا من يقرأ "باب
الليل" لوحيد الطويلة المصري، لن ينسى مطلقا "أبو شندي" الفدائي
الفلسطيني وهو لم يكن محور رئيس ولكنه ذاكرة، ومثلها رواية "مقصلة الحالم"
للأردني جلال برجس، في تأثيثه لعواء الذئب والامثولات كثيرة لا يتسع المكان لاستحضارها
أنا
كقارئ اريد أن يكون لكل عمل ابداعي امثولة أو رمز، اتفق معه أو اختلف معه، اتعاطف
معه أو اتخذه عدوا فلا ضير من كل هذا، بما ان القصدية حاضرة.
لكون
الكاتبة تسنيم طه ممن يرتكبون إثم القصة بمحاذات الرواية، فأن القارئ يستشف أن
لغتها باذخة وهو ما انتج سردا شائقا على مد "صنعاء، القاهرة، الخرطوم"
*كاتب سوري/ فيينا.
تاريخ النشر ::11/23/2024 2:00:10 PM
أرشيف القسم