Mobile : 00436889919948 [email protected]
Follow us:

بوابة فيينا

قراءة نقدية في ديوان "لم ينجُ أحد" لأمل صيداوي

قراءة نقدية في ديوان




في ظلال الشعر والحنين: قراءة نقدية في ديوان "لم ينجُ أحد" لأمل صيداوي

بقلم: إياد حسن

في زمن تتلاشى فيه الحدود بين الوطن والمنفى، وتتماهى مشاعر الحنين بالغربة، يأتي ديوان "لم ينجُ أحد" للشاعرة السورية أمل صيداوي كمرآة شعرية تعكس ألم الفقد، جمال الذكرى، وسؤال الوجود في المنفى. عبر قصائدها، تفتح الشاعرة نافذة على تجربة شخصية تتداخل فيها الذكريات والوطن، وتبحث عن معنى بين الدمار والخلاص، بين الغياب والرجاء.

 

شعر المنفى: الحنين كهوية

منذ الأسطر الأولى، يتضح أن الحنين هو البوصلة العاطفية التي توجه الكثير من قصائد الديوان. في نصوص مثل "حنين" و"مناجاة وطن"، لا تكتفي الشاعرة برسم صورة الوطن في بعدها الجغرافي، بل تتجاوز ذلك لتجعله حالة شعورية تتجسد في تفاصيل الحياة اليومية:

"وأنت يا سورية يا وردة الصباح / يا عطر البنفسج الوضّاح / يا عاشقة الروابي / والعشب والبوادي."

هنا، تتجلى سوريا ليس كذكرى مجردة، بل كحضور دائم يسكن القصيدة، وكأن الكلمات تحاول إيقاف الزمن واستعادة ما مضى، ولو شعريًا.

 

الغربة: ملحمة الشتات والتشظي

الغربة في "لم ينجُ أحد" ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي حالة وجودية من القلق والضياع، يظهر ذلك بوضوح في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان، حيث تقدم الشاعرة صورة مؤلمة لتفكك الأسر السورية، واغتراب الأجيال الجديدة عن جذورها:

"لم ينجُ أحد / تفرّقت الأسرة الواحدة / هاجر الأبناء والبنات / وتشتّتوا في أصقاع الأرض."

إنها شهادة شعرية على الشتات السوري، حيث يتحول الوطن إلى ذكرى بعيدة، والأبناء إلى غرباء حتى عن لغتهم وهويتهم.

 

بين الفقد والأمل: جدلية المشاعر

يمر القارئ في هذا الديوان عبر مدن الألم، حيث الموت والفقد جزء من المشهد اليومي، كما يظهر في "حبيبتي" و"رسالة وداع"، لكن وسط هذه الكآبة، تترك الشاعرة نوافذ مشرعة للأمل. في "صباح وأمل"، على سبيل المثال، نجد نغمة مختلفة، حيث يصبح الشعر وسيلة لإعادة تشكيل العالم وتحدي اليأس:

"سوف نقضي بقية حياتنا كالفراشات / نطير في الحقول / نبحث عن الألوان / عن الضوء / عن العسل المخبوء في الزهور."

هذا المزج بين الحزن والأمل هو أحد مكامن القوة في الديوان، حيث تقدم الشاعرة توازناً بين المأساة والرغبة في تجاوزها.

 

المرأة كصوت مقاومة

في ديوانها، لا تظهر المرأة كضحية للظروف فقط، بل كقوة فاعلة تصارع العوائق وتعيد تعريف نفسها رغم الألم. في "كوني امرأة عصرك"، تدعو الشاعرة المرأة إلى الصمود ومواجهة الحياة بكل ما تحمله من تحديات:

"كوني قوية كالفولاذ / تواجهين العواصف والمحن."

هذه الرؤية تعكس بُعدًا تحرريًا في شعر صيداوي، حيث تتحول المرأة إلى رمز للصمود والإرادة.

 

الطبيعة كرمز شعري

تستخدم الشاعرة الطبيعة ليس فقط كخلفية لمشاعرها، بل كرموز تعكس الحالة الداخلية للذات، كما في "يا بحر"، حيث يتحول البحر إلى صديق وشاهد على الاغتراب:

"يا بحر أنت جزء من قلبي وعقلي / أنت من علّمني أن المحبة والتسامح والصبر / صفات متلازمة مع الإنسان."

كذلك، نجد الأشجار والزهور والعصافير تتكرر في قصائدها، مما يمنح النصوص بعدًا بصريًا وشعوريًا عميقًا.

 

 

لغة الديوان: بين البساطة والرمزية

تتسم لغة أمل صيداوي بالوضوح والعذوبة، فهي تبتعد عن التعقيد اللغوي لصالح إيصال الفكرة والمشاعر بأسلوب سلس، لكنها لا تخلو من الرمزية والاستعارات التي تعمّق الدلالات. يتكرر التكرار كأداة لتعزيز الإيقاع الداخلي للقصيدة، كما يظهر في تكرار عبارة "لم ينجُ أحد"، التي تصبح بمثابة لازمة شعرية ترسّخ الشعور بالفقد.

 

ختامًا: شهادة شعرية على زمن التشظي

ديوان "لم ينجُ أحد" هو أكثر من مجرد مجموعة قصائد، إنه وثيقة شعرية تعكس تجربة إنسانية عميقة، تسجل الألم السوري، لكنها في الوقت ذاته، تحمل بذور الأمل. إنه شعر يبحث عن الخلاص وسط الدمار، ويصر على أن الغربة، رغم قسوتها، لا تستطيع أن تقتل الحب أو تلغي الحنين. في هذا العمل، نجد صوتًا صادقًا، يتحدث باسم جيل كامل من اللاجئين والمنفيين، ويمنح الشعر دورًا جديدًا: أن يكون جسرًا بين ما كان وما سيكون.

 

*كاتب سوري / فيينا.

 



تاريخ النشر ::2/16/2025 2:55:53 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا