القاص المغربي سعيد رضواني : " أغنية الحياة " عنوان لأقصوصة ضمن المجموعة القصصية " قلعة المتاهات
القاص المغربي سعيد رضواني : " أغنية الحياة " عنوان لأقصوصة ضمن المجموعة القصصية " قلعة المتاهات "
بقلم/غيثة لبلول.
من خلال قراءة تأملية لهذه الأقصوصة ، أحسها لوحة فنية ، تتحدى الجنس الأدبي ،وتتجاوز السرد القصصي....لتبدو صورة فنية أو بالأحرى "لوحة فنية " تتضمن وصفا وتحليلا لحالات خاصة : شخصين يتناوبان في احاسيسهما ومشاعرهما تحت تأثير منتوج فني إبداعي ،هو في الحالة الأولى نغمات موسيقية ،وفي الحالة الثانية لوحة مرسومة .....
كل منتوج يخلف أثره على النفس الإنسانية بشكل يكشف طبيعته وخصوصياته :
للموسيقا فعل التأثير على حاسة السمع ،وللرسم تأثير على حاسة الرؤية ،لكن كلاهما ينعكس نفسيا على المشاعر والأحاسيس الفردية حيث التفاعل الإيجابي بين ماهو حسي مادي وما هو نفسي يعكس عمق الشخص ويكشف جوهره لتنجلي المتعة : متعة التلقي ،متعة الادراك ،متعة الوعي ،الوعي بالقيم المثلى ،قيم التجانس ،قيم التماهي ،قيم الإلتحام مع الموضوع .
الموضوع الفني ،ليس مجرد فعل ، او مجرد منتوج عملي خالص ، بل هو خاصية فنية تتماهى مع الذات الانسانية :
" أرى ما أسمع ،كأن للأصوات ألوانا " ...ص 87
" تشدني موسيقى ألوانه ،فأركز بأذني كأنهما عينان ،تهوي في ألوانه من أعلى اللوحة إلى قاعة الموسيقى ،فأسمع ما أراه ،كأن للألوان رنات ."...ص 88
أراه يتسلق السلم الموسيقي بأذنيه ،وينحدر مع إيقاع النغمات برأسه . "....ص 89 .
في هذه التعابير ،يتجاوز السرد الادبي الى التحليل الفني الابداعي الذي يركز على الانفعالات والمشاعر حيث الاستيهامات الفنية تتفاعل في تأثيرها على جوهر الكيان الانساني وتتجاوز المعطى المادي في الواقع : " نمضي ونمضي ،تقودنا الموسيقى الى تلك الجهة التي تقودها قدماه ،وعند التخوم التي تفصل الواقع عن الفن ،تتوقف الأقدام وتتقدم الأعين مسحورة ...." ص88
ويستمر الوصف في نسيج ابداعي تتماهى من خلاله المؤثرات الفنية ( اللوحة والانغام الموسيقية ) ، لتنعكس في مخيلة "السارد " وتكشف عن تأثره بواقع فني يتعالى عن الواقع المادي ،لينقله من موقع "السارد : القاص" الى موقع المنفعل "المبدع " ،فيضعنا أمام لوحة داخل لوحة :
" يرسمها متناغما مع ما حولها من ألوان ، وأراها منسجمة مع ما في داخلي من أنغام...." (ص 88).
انها الصورة المثلى للتماهي ،تماهي الاأوان والأنغام ،تماهي الصورة والإحساس ، تماهي الوصف والمشاعر.....
"أغنية الحياة " أنشودة كيان إنساني متكامل يخضع لمؤثرات فنية تتفاعل فيها العلاقة بين المعطى الخارجي في الواقع والإحساس الذاتي ، فتعكس جوهر الانسان كشخص أي "جوهر" وليس كذات فاعلة مستقلة .
" أغنية الحياة " ثلاث صفحات من "السرد ", بدون ان يكون سردا بالفعل ،بل دعوة إلى التأمل ،دعوة الى الإلتحام ، قراءة تعكس الدلالة الفعلية للتماهي : وانت تقرأ أو بالأحرى "تتأمل " النص تلقي بنفسك في وضع تماهي ، تعيش حالة خاصة تجعلك جزءا من المقروء ، من الصعب جدا تجاوزها ...، لأن " السارد " هو بذاته في حالة متعالية ،عن الواقع المادي المعطى .
في " أغنية الحياة " تغيب الشخصيات ،تتداعى مقومات السرد القصصي لتحل محلها خصوصيات الإبداع الفني ، تجعل عنصر التماهي هو الشخصية المحورية ،هو الفعل ، هو الانفعال مع الذات ومع الموضوع ، يعبر من خلاله " السارد " عن ذاته كحالة وكنمودج للتماهي ،يتعايش مع الوضع ،ليس كحدث ولكن كحالة نفسية وكجوهر للذات الانسانية .
شكرا لصاحب المجموعة على تضمين هذا الاستثناء "التأملي " في إطار طرح قصصي.....
شكرا سعيد رضواني ، انه إبداع في قلب إبداع .....
تاريخ النشر ::4/9/2025 10:04:43 AM
أرشيف القسم