لطيفة القاضي تكتب قصة قصيرة بعنوان الليلة الأولى

لطيفة القاضي تكتب قصة قصيرة بعنوان الليلة الأولى

الليلة الأولى

ق.ق: لطيفة محمد حسيب القاضي 
 
احتشدت المعارف والأهل والأصدقاء، ونصبت الموائد، وحمي الرقص، وارتفع الغناء. فجاءت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فانطلقت آخر الزغاريد للعروسين.

زفها العريس إلى حجرتها، أغلق الباب عليهما وصارا وحدهما أخيرًا. كانت الغرفة مزينة بأجمل الأزهار والشموع، وسط أجواء رومانسية تعبق بالحب.

كانت البهجة تاج الحدث، تلك اللحظة التي تشع كالياقوت واللؤلؤ، والتي طالما انتظرها أيمن منذ أن رأى بهية تزور أخته كل نهاية أسبوع، ويخرجان سويًا إلى النادي. قلبه عشقها من أول نظرة، من أول لهفة.

كل زوج في وقت الخلوة يبحث عن حيرة، عن أول كلمة يخاطب بها عروسته. أأبدأ بكلمة عاطفية أم جدية؟ أفكار تراوده.

أما العروسة، فقد ظهرت عليها ملامح الحزن والأسى على وجهها. 

اقترب منها أيمن بابتسامة مشرقة، وقال: "عروستي الجميلة، أنا سعيد جدًا بأننا أصبحنا زوجين الآن. أعدك بأن أكون دائمًا جانبك وأسعدك.

لكن العروسة لم تستطع إخفاء حزنها، وبدت على وجهها علامات التردد والقلق.

خلعت بهية ملابسها في الحمام، وانطلقت إلى السرير ووضعت رأسها على الوسادة لتخلد للنوم.

- أأنتِ متعبة؟

لم تجب بهية.

لم ير أيمن وجه عروسته، ولكنه لاحظ قطرات من الدموع تتدفق من بين أصابعها التي كانت تغطي بها وجهها. كانت ترتجف أوصالها.

فقال أيمن بصوت متهدج، كله هدوء وحنان: أتبكين يا بهية في ليلة عرسك؟

ويقول في نفسه: ربما تبكي لأنها فارقت أهلها. تلك الفكرة التي كانت تخيم على أيمن في تلك اللحظة.

- لا تبكي، حبيبتي. سأكون لك أبًا وأمًا وزوجًا. لن أجعلك تشعرين بأنك فارقت أهلك. أطلقي دموعك، لأن البكاء في هذه الحالة يجلو القلب والنفس ويريحها. وعما قليل ستشعرين بالراحة، ويشرق وجهك وكأنه شمس سطعت بعد مطر طويل.

ثم أزال يدها ولثمها على خدها بشرارة حب دفين.

ثم قالت، والدموع في عينيها : 
-أنا أعلم أننا نحتفل بدخولنا الحياة الزوجية، ولكنني مشوشة ومرتبكة. هناك الكثير من الضغوط والتوتر يسكنان في داخلي.

أمسك أيمن بيد بهية برفق، وقال: أريدك عزيزتي أن تعلمي بأنك الأهم بالنسبة لي. أنا هنا لأدعمك وأفهمك. وسنبني حياة سعيدة معًا. لا تشعري بالقلق، فأنا أحبك بصدق، وأريدك أن تكوني سعيدة.

ثم أخذت بهية تتحدث بصوت هامس: أريد مصارحتك بشيء. هل تسمح لي؟

- بالطبع يا عزيزتي.

- أرجو ألا تتألم.

- لا أبدًا.

- إنني أحب شخصًا آخر...

لفظتها بسرعة البرق، واستكملت البكاء.

دوت هذه العبارة في أذن أيمن وكأنها قذيفة خارقة أصابته. تقلص وجهه وزاغ بصره، واحتبست أنفاسه، وامتعض، فاكتسب لونًا رماديًا شاحبًا كالشمع، وأصبح جادًا.

انذهل من المفاجأة، وأخذ ينظر هنا وهناك، يستغرق في التفكير.

أيمن، الرجل الحكيم الرزين والحصيف، الذي يبلغ من العمر السادسة والثلاثين، يعمل طبيبًا للأسنان، ويعلم كيف ومتى يضبط نفسه.

أخذ يدمدم ويشرع في الكلام.

- ألا ترين بأن هذا التصريح جاء متأخرًا؟ كان يجب الإفصاح به في أيام الخطوبة أو قبل إبرام العقد.

قالت، وهي لا تزال تبكي، والدموع تملأ عينيها: أنا وافقت على هذا الزواج إرضاءً لوالدي؛ لأن كان حلمهما أن يراني زوجة رجل محترم مثلك. فلم أجرؤ على مصارحتهما، حيث إنهما كبيران في السن ويحملا أمراضًا متعددة.

واستكملت: لقد فكرت بأن الماضي سينتهي بالزواج، ولكنني اليوم فقط أشعر بأن كل شيء حقيقة. سمعت صرخات قلبي تهزني وقتها، فقررت أن أصارحك، لأنني لا أستطيع المضي في خداع نفسي وخدعاك.

-الحق معك. لابد أن نفكر سويًا. كيف نخرج من هذا الموقف؟ إن طلقتك الليلة، سيحدث لك ولأهلك فضيحة، وتكون صدمة لأبويك وهما مريضان.

- "إذاً، ماذا نفعل؟"

- "فكري معي."

استغرق كلاهما في التفكير لبضعة دقائق. 
 وجد ت الحل، قالها أيمن.

لكن الحل يتطلب وقتًا طويلًا وصبرًا. 
-علينا أن نتصنع المشاكل أمام أهلك كلما ذهبنا لزيارتهما لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها أنتِ تقولي لهما: لا أستطيع العيش مع ذلك الرجل القاسي.

عجبت الفكرة بهية.

- اتفقنا. إنك رجلٌ نبيلٌ ومحترم حقًا. ما ذنبك حتى أعكر عليك صفو هذه الليلة؟

- أنا بخير، لا تقلقي.

أخذ أيمن الوسادة والشرشف، وذهب للنوم على الكنبة المقابلة لسرير بهية.

مرت الأيام، وأيمن الحكيم يسير في التمثيل أمام أهل بهية ليشعرهما بأنه ليس الزوج المناسب والمثالي الذي كانا يتمناه لابنتهما.

يأتي الليل الحالك، وكلٌ في مكانه. بهية تنام على السرير، وأيمن على الكنبة في الغرفة نفسها، ينتظر أن تنام بهية أمامه على السرير، ويبدأ يتأملها بعيون مليئة بالحب والشوق، إلا أنه يشعر بأنفاسها الحارة تلفح وجهه، وكل حركة منها تطرد النعاس من أجفانه. وإذا نفذ شعاع القمر من النافذة، قام بتأمل وجهها البديع وبشرتها المتوهجة كاللؤلؤ التي تضفي عليها نورًا خاصًا. 
بهية التي تتمتع بشعر أشقر طويل وقامتها الممشوقة مثل النخيل المثمر، ومظهرها الملائكي.

لا يستطيع أن يشعر بالراحة، تتسلل إليه مشاعر حب وشوق؛ فتعصف به موجة من الألم والأسى والحزن. كانت تلك اللحظات المظلمة تشتد عليه يومًا بعد يوم.

فكلما قاما بزيارة والديها، يشتد غلاظته معها، ووالدتها تحزن ولكنها لا تتدخل بينهما حرصًا على هناء ابنتها.

الأم تقول لأيمن: اذهبا إلى السينما، لربما تهدؤوا وينصلح أمركما. يرد عليها أيمن قائلاً: لا أريد الخروج أبدًا، أنا عندي شغل كثير ووقتي ضيق.

مضى على هذه التصرفات ثلاثة أشهر، ولم يبقَ إلا بضعة أيام على الاتفاق والطلاق.

بهية تتحدث بصوت هادئ: "مضى الوقت المحدد." 
تنهد، وقال: "اطمئني، لم أخطأ في الحساب."

مرت الأيام القليلة بسرعة رهيبة، يتخللها جوًا عجيبًا من الهدوء وقلة الكلام. بقي يوم واحد.

قالت بهية: لم أجد منك في الثلاثة أشهر إلا كل خير. أنت نموذج من الرجل الشهم النبيل، فإن طلقتني سأموت حزنًا.

- "لماذا؟"

جلس أيمن على حافة السرير، وأمسك بيدها، فكان في ثناياه حبًا وحنينًا ولهفة.

- يا بهية، من الصعب أن أنسى أنك أحببت شخصًا آخر.

- عواطفي تجاه هذا الشخص كانت عواطف طفلة، والآن أنا تغيرت. أنا أحبك.

صمت قليلًا أيمن، ومضى يقول: وأنا أيضًا أحبك.

فلنبدأ الحياة من جديد. كانت تلك الليلة هي ليلة عرسهما الأولى.

 


إقرأ أيضًا

بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة الكويت

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة الكويت
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب ماذا أفزعك

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب ماذا أفزعك
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة ما افزعك

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة ما افزعك
بوابة القاهرة

الشاعر اليمني الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قدري

الشاعر اليمني الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قدري
بوابة القاهرة

لطيفه القاضي تكتب قصة قصيرة بعنوان فرط السعاده

لطيفه القاضي تكتب قصة قصيرة بعنوان فرط السعاده
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب لندن ــــ الحب والآلام

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب لندن ــــ الحب والآلام


الاكثر شهرة
المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق

  المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق مؤتمر الياسمين   فن ومدن* تحت عنوان (الابتكارات الطب...

أسئلة مباحة في زمن صعب!!

  أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين*       هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...

عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح باب الحوار

  عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح  باب الحوار   ملاك صالح صالح*   في الكثير من البيوت العربية،...

الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!!

  الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!!   ملاك صالح صالح*   قبل أن تبدأ رحلتنا في بحر ال...

تابعونا


جارٍ التحميل...