Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

الثقافة والأدب والفنون

يا سادة هذا هو الحب

 يا سادة هذا هو الحب



 يا سادة هذا هو الحب

 

د. يسري عبد الغني

 

 

يقال: إن معظم أهل الإبداع غير سعداء في حياتهم الزوجية أو العائلية، بل إن بعضهم شبه منفصل عن أولاده وزوجته وأسرته، بل إن البعض الآخر قد يحيا معهم ولكن في شقاق وخلاف لا ينتهي.

نعتقد أن هذا رأي يطلق على عواهنه، فليس لدينا إحصائيات علمية مؤكدة تقر بهذا الكلام، وعليه فإن هذا الرأي أو هذا الاتجاه ليس بقاعدة عامة مطلقة أو مؤكدة ، هناك العديد من المبدعين في شتى مجالات الإبداع يعيشون حياة زوجية هانئة هادئة رائقة ، كلها حب ومودة وتعاون وثقة وصفاء ، يحترمون زوجاتهم كل الاحترام ، ويسعون على أولادهم عاملين على رعايتهم كل الرعاية ، يدركون أنهم فلذات أكبادهم على الأرض ، وإنهم امتدادهم ، يضعون عليهم الآمال والأماني ليكونوا مواطنين صالحين بحق ، فيكملوا مسيرتهم ، ويكملوا طريقهم .

إن هناك أمثلة عديدة تبرهن على ذلك الكلام الذي نقوله؛ فـ "أمير المسرح العربي" ، توفيق الحكيم ، قاطع الزواج فترة ، وقالوا عنه: إنه عدو المرأة اللدود، وإنه كان بخيلاً ولكنه تزوج شقيقة أحد أصدقائه، وهي سيدة صالحة محترمة، عاش معها سنوات وسنوات في سعادة غامرة ، ويقال إنه اشترط عليها أن تتركه لإبداعه ، ولا تشركه معها في مشاكل البيت والأولاد .

الحكيم بعد أن أنجب ابن وابنة كان يشارك السيدة زوجته في تربيتهما ، ويساعدها في حل مشاكلهم ، وابن توفيق الحكيم هو عازف الجيتار / إسماعيل الحكيم ، الذي كون فرقة موسيقية ، وكتب الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام السينمائية . ولكن إسماعيل الحكيم توفي في ريعان شبابه بمرض خبيث ، فحزن عليه الحكيم حزنًا شديدًا ، وظل يذكره إلى آخر يوم في حياته ، وعندما كان يتكلم عن ابنه ، عن لواعجه في وفاة ابنه ، كان يذكرنا برثاء ابن الرومي الشاعر العباسي ، وحزنه الشديد على أولاده، ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع كتابي، الصادر بالقاهرة، 2016، والذي عنوانه: (توفيق الحكيم شمس المسرح العربي) وتحديدًا الفصل الرابع (الحكيم والمكانة البارزة ـ حيث تتوالى الإبداعات) حيث يجد المزيد عن علاقة أمير المسرح العربي / توفيق الحكيم بأسرته، وتفنيد للشائعة التي تزعم أن الحكيم كان عدوًا للمرأة والدكاترة / زكي مبارك عاش حياة عائلية مستقرة، وأنجب الإذاعية والأديبة الراحلة / كريمة زكي مبارك، التي واصلت الاهتمام بفكر والدها، فقامت بنشر وطبع الكثير من أعماله التي لم تنشر، كما قامت بإعادة نشر أعماله الأخرى، وقد كان لي الشرف أن أعرفها عن قرب، وأشاركها في أكثر من برنامج ثقافي كانت تقدمه في الإذاعة المصرية .

وشاعر العروبة / علي الجارم، عاش حياة عائلية هانئة، وابنه الدكتور/ بدر الدين علي الجارم ، الذي كان طبيبًا نابهاً، اهتم بنشر شعر والده وكذلك الروايات التاريخية المهمة التي كتبها الجارم .

والأديب الساخر / إبراهيم عبد القادر المازني، توفيت السيدة زوجته الأولى بمرض عضال، وصعد ذات اليوم إلى صيدلية معلقة على حائط حجرتها ليحضر لها دواء، فسقط من على السلم الخشبي الذي صعد عليه، وكسرت ساقه كسرًا مضاعفًا، وظل يعرج إلى آخر حياته، وحزن عليها حزنًا شديدًا . ثم تزوج الأستاذ المازني بسيدة فاضلة أخرى، عاش معها حياة مستقرة، وتوفيت ابنته (حياة) في ريعان صباها، فكتب عنها، أجمل الكلمات وأصدقها، وابنه تولى التعريف بوالده ونشر أعماله، وشارك بصفة دائمة في أي احتفاء بالمازني أديبنا الكبير .

وأذكر أن ابن الأديب العلامة / حفني ناصف ، عالم الأدب واللغة ، ومعلم أمير الشعراء / أحمد شوقي ، قام بجمع تراث والده ، فأفاد به جمهرة القراء وأهل الثقافة والأدب ، والمعروف أن ابنة حفني ناصف هي السيدة / ملك حفني ناصف ، باحثة البادية ، والأديبة المصلحة التي كانت حياتها قصة كفاح ، ونضال تستحق الدرس والبحث ، لنأخذ منها العبرة والعظة .

ومحمود حسن إسماعيل ، الشاعر الرومانسي الكبير ، صاحب قصيدة (دعاء الشرق) ، الذي تغنى بها الموسيقار / محمد عبد الوهاب ، وقد عانى هذا الشاعر أكبر معاناة ، وتعب ذائقًا شظف العيش ، فترك مصر إلى الكويت ، ليعمل هناك كمستشار لإذاعتها ، ووافته المنية هناك .

 ابنة الشاعر / محمود حسن إسماعيل هي الإذاعية الراحلة / سلوان محمود ، والتي قدمت العديد من البرامج الثقافية الناجحة في الإذاعة المصرية ، وقد ألفنا صوتها عندما كانت تقرأ الأشعار الرقيقة في الفترة الصباحية بإذاعة البرنامج العام ، وكانت تقرأ أشعار والدها في كل المنتديات ، وتشارك في كل الندوات التي تعقد للاحتفاء بوالدها ـ رحمه الله .

والفنان الموسيقار الراحل / أحمد السنباطي، هو ابن الموسيقار الكبير، رياض السنباطي، أعظم من لحن لسيدة الغناء العربي / أم كلثوم ، وقد قالوا أن السنباطي أحب أم كلثوم حبًا صامتًا، نعم أحب فنها ورقيها، أحب عبقريتها و احترمها ، فغناء أم كلثوم لألحان السنباطي ، أوصله إلى عنان السحاب .

والموسيقار العبقري محمد القصبجي الذي ارتضى أن يكون في فرقة أم كلثوم كمجرد عازف للعود سنوات طويلة، قالوا : إنه هو الآخر أحب أم كلثوم، وتيم بها عشقًا، وكان يغار عليها من الهواء الطائر .

وقالوا : إن الشاعر الرومانسي الخلوق العبقري / أحمد رامي ، كاتب أجمل الكلمات التي تغنت بها أم كلثوم ، قالوا : إنه أحبها حبًا شديدًا ، وأن كل شعره العاطفي كان موجهًا لها .

ورامي شاعر الشباب، هو الذي وجه أم كلثوم إلى القراءة والاطلاع ، وكان يختار لها الكتب التي تقرؤها ، ويعيرها الكتب والدواوين الشعرية من مكتبته الخاصة ، ومن دار الكتب المصرية التي كان بها ، وكم من مرة زارته فيها .

ولكن القصبجي تزوج ، ورامي تزوج ، والسنباطي تزوج وعاشوا جميعًا حياتهم في استقرار . من الممكن أن يكون هذا الحب ، حب العبقرية ، وتصرفاتها ، وتحليله أمر محير ، بل أمر صعب جدًا ، لقد أحب المئات أم كلثوم الإنسانة العبقرية ، ولكن الملايين أحبوا أم كلثوم الفنانة .

وأم كلثوم نفسها تزوجت ثلاث مرات، كما كتب عنها، تزوجت وهي صغيرة من تاجر ماشية، ولكن هذا الزواج لم يستمر أو لم يكتمل، وتزوجت من الموسيقار / محمود الشريف، ولكن هذا الزواج الذي أثار ضجة كبيرة أيامها، انتهى نهاية سريعة، نهاية غامضة، لأسباب لا نقف عليها بدقة حتى الآن، وإن قيل: إن الملك فاروق أو القصر الملكي تدخل لإنهاء هذا الزواج، الذي قيل عنه إنه زواج غير متكافئ، وأن أم كلثوم رمز لمصر كلها، وللمصريين. بعد ذلك تزوجت أم كلثوم من الطبيب الشهير / حسن الحفناوي، والذي كان يقدر جيدًا من هي أم كلثوم، ففهمها عن دراية ووعي، ولم يتدخل في شئون عملها، ومن هنا عاشت معه حياة هانئة مستقرة. الجميع أحب كوكب الشرق / أم كلثوم ، من جميع الفئات والأعمار والطبقات والمشارب والميول، ولكن أم كلثوم أحبت الفن وأخلصت له، أحبت الإبداع وقيمه السامية، وعليه قد اتسع قلبها لكل الناس

 

 

*كاتب مصري وباحث في شأن التراث

 

تاريخ النشر ::2/19/2023 5:39:45 AM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا