Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة دمشق

ما وراء الشتاء للكاتبة إيزابيل الليندي

ما وراء الشتاء للكاتبة إيزابيل الليندي



   

ما وراء الشتاء للكاتبة إيزابيل الليندي


 قراءة ادبية

 

محمد رستم*

 

العنونة وهي العتبة الأولى للمنجز، جاءت هنا شاعرية القوام والشكل بمعنى لا بدّ من غواية التأويل والتي تخرج المؤدّى من فضاء الرواية وتنحو جهة  الواقع فالشتاء هو معاناة مجتمعات أمريكا اللاتينيّة بعد قيام الثورات ذات المنحى اليساري. وترقب ما ستؤول إليه الحالة بعد القضاء على هذه التحولات. والمرويّة تشيد بإنسانيّة جوزيف والد ريتشارد والذي صار مقمّطاً بالحس الإنساني وأثمرت مشاعره عطفا إنسانيّاً حين وجد من يعرض نفسه لخطر النازيين كي يساعده وينقذ حياته كونه يهودي النسب وهذا تلميح لمظلومية اليهود وما كابدوه من النازيين (لذا غرس في ابنه ريتشارد واجب فضيلة مساعدة الهاربين والمحتاجين) وهذا مسوّغ وتمهيد كي يزجّ ريتشارد نفسه في قضية إخفاء جثة (كاترين بروان) المعالجة الفيزيائيّة والتي قتلتها شيريل ليروي زوجة (فرانك ليروي) المهرب الكبير والذي يتاجر بالبشر  وذلك انتقاماً منها لأنها تحاول خطف زوجها منها وتتورط المسكينة إيفلين لأنها اخذت السيارة التي بصندوقها الجثة كي تحضر دواء لأبن (شيريل وفرانك ليروي) المريض فيصدم سيارتها ريتشارد وتكتشف إيفلين الجثة  وتصبح غير قادرة على العودة لعند مشغّليها (عائلة ليروي) وتلجأ لريتشارد كي يساعدها وهكذا تورط ريتشارد ولوثيا في ذلك

تقترب المرويّة من نمط الرواية البوليسيّة حين تسقينا الحكاية من كأس  الخوف والقلق من انكشاف أمر الجثة. وحضور البوليس في أكثر من مكان وحالة الخوف الذي تلبس الشخصيّات عند حواجز البوليس.

وتبدو أحياناً وكأنّها سيرة ذاتيّة لشخوصها حين تعرض علينا شجرة العائلة  لهذه الشخصيات ولكن الهدف الحقيقي من ذلك هو عرض السيرة الذاتيّة  لمجتمعات أمريكا اللاتينيّة  فواقع تلك المجتمعات هو الصانع لأحداث المرويّة والخلفيّة لها

وتشكل الرواية إدانة صارخة للواقع السياسي والتخبط الذي انعكس سلباً على كل مناحي الحياة في مجتمعات أمريكا اللاتينيّة فالرواية وإن أعطت الجانب السياسي قدرا كبيرا من سردياتها إلا أنها رواية اجتماعيّة  فالشخصيات والأحداث مجرد وسائل إيضاح لتبيان الصدوع الاجتماعيّة  والاقتصادية والمعيشيّة التي تسببها الحروب وانعكاساتها المدمّرة على البنية النفسيّة وما تتركه من شروخ وخلخلة في الإنسان.

لذا فإن المرويّة تأخذ مصيرها الدرامي  من خلال مسارين مسار عرض  واقع المجتمع اللاتيني والذي بات مكشوف الظهر بعد الحروب وبات يعاني من متلازمة الفقر والجريمة. ومسار الجثة ومصيرها ومحاولة إخفائها

وقارئ الرواية يجري مقارنة من حيث لا يدري بين المجتمع الأمريكي (الجنة الموعودة للهاربين من دول أمريكا اللاتينيّة) والمجتمعات اللاتينيّة  والتي تبدو فيها الديكتاتوريات والبطش بالإنسان مقارنة بأمريكا الحضن الدافئ للبشر دون التمييز بينهم. ولعلّه يحمّل وزر ذلك للثورات ذات الطابع اليساري. وتصوير تلك الثورات على أنها الأرملة السوداء إنما هو تزوير رأسمالي للواقع فأمريكا بوضعها العصي في عجلة التغيير أوصل تلك المجتمعات إلى ما وصلت إليه.

وتركز الكاتبة على الوصف الدقيق لمعاناة الهروب الصعبة والمميتة أحيانا  للخلاص من جحيم أمريكا اللاتينية والوصول إلى أمريكا الحلم والجنة الموعودة. ولعله الهدف الأسمى للرواية وكم تساءلت هل قرع الطناجر الوارد في الرواية يتماشى مع لحن قرع الطناجر في سورية؟ إنها النيوليبرالية يا سادة في أخبث تمظهراتها.

والشخصيات تعاني من وجع يدق في جرن القلب سببه تمزق العلاقة بين ذكورة وأنوثة بالنسبة للوثيا وكذلك بالنسبة لزوجة ريتشارد التي انتحرت وبين الانسان ومجتمعه بالنسبة لإيفلين وغريغوريو.

 طبعا ومما يدعو للتساؤل هو حالة لوثيا فمع كل التقدم في العمر ومع كل تجاربها العشقيّة المؤلمة ما تزال على قيد الشبق الجنسي وتنسم عطر العشق.

 المنجز يبدأ من وسط أحداثه التقاء الشخصيّات ريتشارد .لوثيا .إيفلين والبحث عن طريقة لإخفاء الجثّة هذا وقد اعتمدت الكاتبة ثلاثة وعشرين عنواناً لكسر تراتبّية الزمن السردي لتبدو المرويّة معتمدة على تكنيك الاسترجاع (الخطف خلفاً)

وإذا كان ريتشارد قد اندفع لمساعدة إيفلين في إخفاء الجثة تحت تأثير رغبات والده وتوصياته فإن انسياق لوثيا في ذلك يبدو غير مقنع وبخاصة انّها المبادرة في العملية

وللإيهام بواقعيّة الرواية ربطت الكاتبة أحداثها بتواريخ وأماكن وشخصيّات  واقعيّة (ترامب.. الليندي) بالاضافة لأسماء مدن وبلدان معروفة.

وتوضح الرواية دور الكنيسة كمؤسسة دينيّة في مساعدة من يحتاج لمد يد العون وكذا في النصح والتوجيه لما فيه خير الناس.

وبيّنت المروية الدرك الذي يهوي إليه المجتمع حين تنتشر الحروب وتعم الفوضى فلا يطفو على سطح الحياة إلّا الجريمة والدم  والخوف والعصابات وهو الفضاء الحيوي الذي تحركت فيه الشخصيّات في المرويّة

هذه الشخصيّات المهاجرة بدت متعبة قلقة حتى في متعها ولذّاتها فهي عالقة في برزخ المعاناة لا تجد لها نفساً من اوكسجين الراحة  والاستقرار (إيفلين مثلاً ) فالواحد منهم مثل عصفور طنان يقفز من عشق إلى آخر  وهذا نتيجة لعدم الاستقرار وللسوداوية التي تنز على امتداد خطوط  الطول والعرض في الرواية فتبدو الشخصيّة ضائعة غير مستقرّة

هذا وقد اعتمدت الكاتبة السارد العليم وقامت بوصف جزئيّات كثيرة شكلت عبئاً ثقيلا ومملاً وعلى امتداد السرد حاولت الكاتبة جرّ القارئ إلى شباكها الغاوية منة خلال دوي الأحداث المؤلمة التي رافقت الشخصيّات وحددت مصائرهم لذا جعلت الحب الخيمة التي تخفف عنهم وطأة الحريق.

أخيراً أقول.. استوفت الرواية شرطها الفني دون إرباك وحققت الإرضاء الجمالي الذي يعطيها قيمتها.

 

*كاتب سوري/ حمص

 

تاريخ النشر ::3/11/2023 4:05:55 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا