Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة دمشق

"قصة حب إيرانية".. تحت مقص الرقيب للأديب الإيراني شهريار مندني بور!!..



"قصة حب إيرانية".. تحت مقص الرقيب للأديب الإيراني شهريار مندني بور!!..

 

محمد رستم*


نعلم أن العنونة هي ثيمة مكثّفة تلخّص موضوعة الرواية بل والعتبة الأولى لولوج المنجز، بدأت بقصة حب، فالحب هو العلاقة الأكثر متانة وأهميّة وضرورة ورهافة  بين آدم وحواء فهو الرابط الذي تبنى الأسرة على أساسه وقصة الحب إيرانيّة إشارة إلى بيئة الرواية ( إيران) تحت مقص الرقيب، أي زمن القمع، الرقابة الصارمة  والمتشددة، إشارة إلى الحكم الديني المتطرّف في إيران.

لقد افتعل الكاتب قصة حب ( سارا ودارا) كحامل لآرائه التي بدت سياسيّة بحتة     فعلى هامش القصة نقل لنا صوراً متعددة عن التشدّد المتّكئ على خلفيّة دينيّة ولعله زاد من كميّة الهيل في آرائه أو بمعنى أخر أنّه بالغ فيها، مع أنّ المبالغة من أدوات  الأدب وشراعه الدائم لكن المبالغة الفاضحة تفقده مصداقيته إذ تؤثّر على قدرة الإيهام  الفني في إقناع القارئ، لقد استطاع الكاتب أن يقدّم خلطة سحريّة بين قصة الحب  والواقع الاجتماعي والسياسي والفكري القابع تحت الكبت والقمع الديني فالغاية من المرويّة إذن ليست قصة حب بل تصوير القمع الذي تمارسه الرقابة الممثّلة للسلطة المقمّطة برداء الدين والمتجلببة بعباءة الشريعة وما تمارسه من قمع للحريّات والفكر  وللحياة الإنسانيّة في إيران.

إذن على سرير الرواية السياسيّة تستلقي مرويّة (قصة حب إيرانيّة) وبالتدقيق يتضح أنّها صفحة من سيرة حياة المجتمع الإيراني. لذا تصنّف في قائمة الرواية الواقعيّة السياسيّة وهدفها الإشاري واضح. في مبالغة صارخة صوّر الكاتب نظام الحكم في إيران والقائم على توجيهات صارمة في تطبيق أحكام الشريعة المتزمتة وقولبة المجتمع بما يناسب ذلك.

 عرضت الرواية أشكالاَ متعددة لمظاهر القمع منها تكليف لجنة لاختيار الأسماء للمواليد الجدد بما يتماشى مع الأسماء الإسلاميّة ورفض الأسماء حتى الإيرانيّة الأصل (مثلا رفض تسجيل الابنة باسم باران، أي المطر بالإيرانيّة) ومعاقبة الآباء الذين لا يلتزمون بذلك. كذلك تكليف جهات معينة لملاحقة المخالفين للشرع (حملة مكافحة الفساد ودوريات مكافحة الفساد الاجتماعي) وكذلك تطبيق حكم الشريعة على  الزناة (الجلد والرجم).

في إيران فرضيّة دينيّة تقول: إن اقتراب رجل من امرأة ليسا على صلة قرابة، مقدّمة لحدوث الخطيئة لذا فقد خصص رصيف لسير الرجال وآخر للنساء ففي مجتمع ديني شديد التطرف كهذا تغدو المرأة كائنا ملغوما بالمحرمات، وهناك إشارة إلى القمع (فمنذ أن أسست الجامعة كان الضرب والزج في السجن مادة من المواد الرئيسيّة بالنسبة للطلاب)، ومن المظاهر الفاضحة لتقييد الحريات أن الشرطة تعتقل الفتى الذي يرتدي القميص المكتوب عليه (حديقة لينكين) بتهمة الظهور بمظهر غربي وتمنع الطالبات من انتعال الأحذية الملوّنة ويحرّم على الناس التقاط الأقنية غير الإيرانيّة حتى الموسيقى الغربيّة ممنوعة بل وقام النظام الجديد بطرد كل من لم يلتزم بالثورة تحت بند (التطهير) تطهير مرافق الدولة ومؤسساتها ممن يعارض الثورة  وألمح الكاتب إلى فظائع التعذيب لمن يخالف.

إنّ مجتمعاَ كهذا يفتقر إلى أبسط قواعد الحريّة هو صحراء عارمة في الصفرة  والفحيح يخلق فرط اختناق روحي لأنّه يعاني من متلازمة الكبت والحرمان فالقهر ينز على خطوط الطول والعرض في الرواية، مثلا ألقي القبض على (سارا ودارا) لأنهما كانا يتفرّجان على العصافير في حديقة الحيوانات، ففي مثل هذه الرقابة الصارمة والتي تتنافى مع أبسط قواعد الحرية والرغبات الإنسانيّة التي لا تخدش الحياء لا يبق لسارا ودارا أي حظ في أن يحظيا بفرصة مقمّرة بنكهة الفرح وردّ فعل المجتمع عل ذلك هو الالتفاف على هذه الرقابة (يعمل الفتى مراقبا لصالح مقهى الأنترنيت وعندما يقول دوريّة ينفصل الفتيان عن الفتيات وتسحب الفتيات غطاء الرأس وتتجمع الفتيات في طرف والفتيان في طرف) إنّه واقع يغدو مفخخاَ بشراك المحرّمات حين يفرض التشدد شريعته وتصبح الحياة ليلاَ مدلهمّ الظلام فالتطرف أياً كان إنّما هو ذئاب غير قابلة للترويض.

فسندباد المعروف بولائه اتهموه بأنه يطيل لحيته نفاقاً وادّعاء عندما نسي أن يحلق لحيته فالنفاق إثم كبير في الإسلام. إنها ترجمة للفكر الطالع من كهوف التخلّف حيث يغدو الإنسان مصلوباً على خشبة المعصية يدان لأبسط الأمور وليس له إلاّ أن يبحث عن صكوك الغفران، وهناك العصبيّة الضيقة الأفق، هي عنصريّة مضحكة (لا إثم في رؤية شعر امرأة غير مسلمة).

ولأنّ واقع الكبت والتسلّط يخلق متراجحة رياضيّة في ذهن الإنسان الواعي وهي التوق إلى الحريّة والحياة الإنسانيّة الطبيعيّة كانت المظاهرات ولكي يعرض الكاتب حقيقة المجتمع الإيراني قال: في هواء إيران يمتزج معا أريج الأزهار مع أول أكسيد الكربون. بمعنى أنها تضم الفريقين المتعصب والمتشدّد دينيّاً (أكسيد الكربون) والمتحرر (الأزهار) لذا فقد كانت سارا تصرخ الموت للعبودية عبودية النظام المتشدد والموت للحرية (أي حريّة الغرب المنفلتة من القيود).

وبالتأكيد إن مراقبة الكتّاب وتفحّص أعمالهم إنما غايته إحكام الكبت ليطال كل أشكال الحريّة الفرديّة والجماعيّة والتضييق عليهم وكيف أن تغيير كلمة واحدة يكلّف الكثير الكثير من الجهد والمال. وكم تثير الضحك النظرة القاصرة التي ينظر من خلالها مسؤولوا الحكومة نحو الأدباء، بترو فيتش يقول: أعرف أنكم هشّون وحساسون ولهذا السبب يتوجه إليكم الشيطان اللعين أكثر ما يتوجه إلى الناس العاديين.

لقد استعار الكاتب اسم بترو فيتش من رواية الجريمة والعقاب لدوستو فيسكي  المخبر المكلف بفك ألغاز الجرائم التي ارتكبها راسكو لينكوف ودوره هنا البحث وراء الكلمات التي يكتبها الأدباء والتي قد يكون لها بعد جنسي أو توحي به أو تخلق رغبة أو تحرك شبقاً حتى الكلمات العاديّة مثل كلمة رقص تغدو ممنوعة، فكلمة رقص نابية وبذيئة لأنها تحيل إلى التفكير بالرقص الشرقي (إذا أفلتت كلمة من قلمك وأثارت جنسيّاً أحد الشباب فإنك تشاركه الإثم فرقص مثلا توحي بالخلاعة وبالتالي الانفلات الأخلاقي) ومجرّد التفكير في الإثم هو إثم بحد ذاته فذكر الجنس يلوث عقول القرّاء، في مجتمع كهذا كل الدروب تؤدي إلى الخيبات لا إلى روما.

ومع كل هذا التشدّد فإنّ الفساد منتشر (سندباد مئات المرات مثال فقد أثرى من خلال استغلاله لبعض افكاره التي تبدو تمسكاً بالدين وكذلك كاجي وجه آخر لاستمرار الفساد) لقد أغلقوا المواخير وأعدموا المومسات ومع ذلك ازداد عدد المومسات وتفشّى التهريب رغم قساوة القمع.

ومن الملاحظ أن الحدوتة (حب دارا لسارا) لا تكفي لتكوّن عالماً روائيّاً لذا فقد دعمها الكاتب بالعديد من الحكايات (البومة العمياء، خسرو وشاهين، المخرج الذي فاز بجائزة السعفة الذهبيّة، حكاية الدكتور فرهاد، حكاية والد دارا، وهناك الكثير...).

كما نلحظ استعراضاً ثقافيّاً حيث يورد الكاتب الكثير الكثير من العنونات التي يجهلها القارئ وهي ذات دلالة جوهريّة في معاني الرواية وأفكارها وهذه تشكل نقطة ضعف في المنجز (تايتنك، كازبلانكا، فلم الدوار لهيتشكوك ألخ ..) هذا وقد اعتمد الكاتب عنونات قطع من خلالها السرد الروائي، ولعل الجديد هنا هو اعتماد الكاتب تقنية المسرح داخل المسرح، فالكاتب الذي تقمّص شخصيّة الراوي كثيراً ما يخرج من السياق السردي ويحاور القارئ أو الشخصيّات (اسألوني كيف وسأقول لكم) هي محاولة لتجديد الخطاب السردي وتغيير في تقنيّة الشكل الروائي، هذا وقد ترك الكاتب روايته دون قفلة بحيث تبقى مفتوحة على مسارب التأويل.

ونسأل هنا عن مدى تطابق الواقع الفني في المرويّة مع الواقع التاريخي وهل شكلت الرواية معادلاً موضوعيّاً للواقع التاريخي الإيراني أخيراً أقول: إن الكاتب يقف في أقصى يسار المعارضة الإيرانيّة وهذه الرواية تصنّف ضمن أسلحة التدمير الشامل  التي تتقصد النظام الإسلامي الإيراني، وبالتأكيد إن مجرّد التفكير في بناء نظام سياسي على أساس ديني إنما هو حركة نحو الوراء أي عكس حركة التاريخ.

وعلى هامش الدراسة وردت عبارة (بذكاء وصبر عرّفنا القبائل التي غزتنا والتي كانت في الأغلب متخلّفة عرفناها على ثقافتنا وكما يقول المثل جعلناهم بشراً) وطبعاً المقصود هنا العرب، بل هناك ذكر للعرب وكيف نهبوا وسلبوا تحت ذريعة نشر الإسلام (دشداشاتهم البيض وسيوفهم المستلّة تلمع بوهج يشبه ضوء النيون فتحوا عاصمة الإمبراطوريّة الساسانيّة واحتلّوا أرض خراسان الغنيّة وتدفّق الدم يشبه صوت جيش من العرب العائدين جالبين معهم الجواهر.

والذهب التي تعادل قيمتها جميع ثروات الجزيرة العربيّة.

 

*كاتب سوري/ حمص.

 

تاريخ النشر ::12/15/2023 1:07:08 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا