سؤال المثقف أم سؤال الثقافة؟!
سؤال المثقف أم سؤال الثقافة؟!
أحمد علي هلال
تحيل حقيقة الندوات والفعاليات الثقافية
التي شهدتها دمشق مؤخراً على مستوى الأسئلة المؤرقة التي تمس الثقافة في خطابها وإنتاجها
من مثل أسئلة المسرح، الاتجاهات والآفاق، والمثقف السوري والأزمة، إلى ما يمكن
اعتباره مؤشرات حقيقية على أصالة تلك الأسئلة بالرغم من تبايناتها واختلاف مستوياتها
لكننا في المقابل لا ننتظر أجوبة ناجزة، بمعنى كيف يستجيب النص الإبداعي في حقوله
المغايرة للأزمة من موقع مقاربتها والإحاطة بها والانطلاق من لحظة التنوير فيها
إلى أفق إنساني أكثر رحابة وأشد عمقاً؟ لأنه ما لم تنضج تلك النصوص بالمعنى
المعرفي في المقام الأول وفي هذا المعنى بالذات تتأسس علاقة الثقافة بالجنس المبدع
وانطلاقاً من تصورات هي أبعد عن التنظير وتتوسل على الدوام الخطاب المعرفي نقول إن
التعويل على الإبداع الجديد محكومٌ بإرهاصات وهي مستمرة على الأرجح تحكم أجيال
المبدعين وتحمل آمالهم لصوغ إبداعٍ مختلف وتلك حقيقة لن تبقى في مهب الانتظار
وبوسعنا اليوم التحقق منها لا سيما وأن أجيالنا المبدعة لن يبقى الفن لديها أسيرة
تصورها الخاص فحسب بل انضاف إليه التصور الجمعي ما يعبر عنه بالعقل الجمعي في اشتقاقاته
وتعبيراته التي ترسم الثقافة كمنهجٍ لا نظرية فحسب.
إن الدعوة إلى تفاعل النقاد والتي جاءت
طي الندوات مؤخراً، مع ما يكتبه المبدعون في الحقول كافة تنطوي على معنى إيجابي هو
في العلاقة التكاملية ما بين منتج النص ومؤوله هذا من جهة ومن جهة أخرى ما بين
المؤول والمتلقي الذي لن يبقى محايداً على الإطلاق لأنه سيبحث في النص عن ذاكرة
المرايا و عن ما يتجاوز تأريخ لحظته وانعطافاتها الدرامية إلى ما يمكن اعتباره
الواقع الجديد الذي تطمح كل الأطياف الثقافية إلى صياغته وفق منظور الارتقاء
وتفعيل الحياة الثقافية.
فإذا كانت الغاية من سؤال المثقف ستحيل
إلى ما ينتج وما يضع بين يدي التاريخ من تصوراتٍ وأطروحاتٍ ونظرياتٍ فستبقى ناقصةً
ما لم ترتبط بالواقع الميداني الذي تجلى فيه الحقائق بنسبيتها على الأقل لا بد إذن
من فلسفة المنهج وآليات الإجراء والانتباه إلى التطبيق كي لا تطغى النظرية وتتغول
على حساب جوهر الإبداع.
فالنقد التشاركي إن صح التعبير هو واحدٌ
من تلك الرهانات الناجعة التي تضع معادلة المثقف السوري والأزمة في حيز الإنتاج لا
في حيز الشروح المستفيضة التي تنتج ذاتها وتعيد الإنتاج كل مرة وعلى الأرجح لا
ينبغي النظر للثقافة كوظيفةٍ أو ترفٍ أو أشياء مكملةٍ، إن الثقافة في هذا المعنى
هي دورة حياة تنهض عليها مجتمعاتٌ وتنهض عليها حيوات جديدة طامحةٌ لأن تكون شمسها
وحقيقتها الأبدية وهنا لن ننزاح عن وعي ما يهدد هويتنا الثقافية وما يعدها بالتشظي
والتفكك والاستبدال، لكننا ينبغي أن نؤسس لخطابٍ أدبي أكثر مرونة وأكثر جدلاً فيما
يعنيه الوطن الغاية النهائية لكل إبداعٍ له طريقته في الدفاع عنه دفاعاً ذكياً لا
ينأى عن تلك الأبعاد المعرفية بل يجوهرها ليكتمل به.
إن مجرد انعقاد مثل تلك الفعاليات
والندوات المصاحبة لها في غير مكان لن تكون غاية بذاتها ما لم تكن إحدى وسائل
الارتقاء بالأداء الثقافي ليكتمل في منظورنا القول بأن مسألة الثقافة على نحوٍ
مثمرٍ ومنتجٍ هي مساءلة للمثقف بوصفه "الصانع والرسول والسادن وحارس الجمال والقيمة"
التي تتجدد بشكل أو بآخر لتعطي دلالتها لما ينتظره المتلقون وما يمكن من خلاله أن
يؤسسوا لمفهوم الغد وتحرير "الفن" من الاكتفاء به كنظرية فحسب.
حتى نكون في صلب المعادل الفني والجمالي
والفكري لما تعنيه سورية السيّدة في المجال الحيوي الذي يصّلب جبهته الثقافية، وفي
المجال الإنساني الذي يستأنف أفعال التأسيس الباذخة.
*ناقد وإعلامي فلسطيني/ دمشق.
تاريخ النشر ::12/15/2023 12:37:01 PM
أرشيف القسم