Mobile : 00436889919948 info@kunstundstadte.com
Follow us:

بوابة القاهرة

قراءة نقدية أكاديمية لقصة "عام الوحش" للكاتب سعيد رضواني

قراءة نقدية أكاديمية لقصة

قراءة نقدية أكاديمية لقصة "عام الوحش" للكاتب سعيد رضواني

 بقلم /أميمة الناجي

تندرج قصة "عام الوحش"، المنشورة في عدد اليوم الخميس من جريدة المنعطف، ضمن نمط السرد الرمزي الفلسفي الذي يستلهم بنية المتاهة في السرد، ويستثمر المرجعيات الأدبية والدينية والفكرية لبناء نص متداخل المرجعيات، يتأمل مفاهيم كبرى كالخلود، والهوية، والوهم، والوجود الإنساني في علاقته بالمطلق.

ينفتح النص من خلال مفارقة وجودية: "أغلب الظن لن يكون بمقدور أحد... أن ينجو من الموت بعد مرور قرن"، وهي عبارة تُؤسس لحس فلسفي عميق، يضع القارئ منذ البدء أمام سؤال الفناء والبحث عن الخلود. هذا البحث، وإن بدَا عبثيًا، ينسج خيوطه السردية من خلال التناص مع رواية رحلة بالداسار لأمين معلوف، ليعبر القصة من خلال عبد القادر، البطل المحلّي، في مغامرة مشابهة تمتد من طنجة إلى مراكش، مرورًا بأحلام الخلاص الرمزي من خلال طلسم سري.

يعتمد الكاتب على البنية السردية الدائرية التي تنفتح على فكرة وتنغلق عليها بمعنى منقلب: الطلسم الذي وعد بالنجاة من الفناء، يلتهمه قرد بسخرية قاتمة، لينقلب الحلم إلى "عام الوحش". هنا تتجلى براعة الكاتب في خلق إسقاطات رمزية: فالقرد ليس مجرد حيوان عابر، بل هو تمثيل للعبث، للسخرية السوداء من وهم الخلود، بل و"للقدر" الذي يسحق الإنسان في لحظة غفلة.

أما الحوار بين عبد القادر و"عبد الوهام" فهو لبّ النص الفلسفي، حيث يتحول النقاش حول الأسماء الحسنى، والوهم، إلى مرافعة وجودية حول قصور الإنسان واحتياجه إلى وهم منظم يخفف عنه وطأة النسبي أمام المطلق. واسم "عبد الوهام" نفسه هو انزياح رمزي ذكي، ينم عن وعي لغوي وفكري دقيق، حيث تتقاطع الذاكرة الدينية مع شطحات الفكر الحداثي.

تشتغل القصة كذلك على تناص آخر مع قصة "الموت والبوصلة" لبورخيس، حيث تتماهى متاهة البحث عن الاسم الإلهي مع متاهة البحث عن القاتل. يتقاطع النصان في جعْل المعرفة مدخلاً للهلاك، وفي التباس الحدود بين الحقيقة والوهم.

أسلوب الكاتب يمزج بين السرد الشعري، والوصف الحلمي، والاستطرادات التأملية، بلغة رصينة تتقاطع فيها جمالية العبارة مع عمق الإحالة الثقافية، ما يجعل النص مفتوحًا على أكثر من تأويل. غير أن القصة، رغم إحكامها، لا تخلو من لحظات اتكاء على ثقل المرجعية، مما قد يرهق القارئ العام، لكنه لا يُنقص من قيمتها الفنية.

في المحصلة، "عام الوحش" قصة قصيرة كثيفة، موغلة في الرمز، تمتح من مرجعيات متعددة لتقدم رؤية فلسفية لافتة حول الوهم البشري، وتُجسد بسخرية ناعمة عبثية الحلم الإنساني بالخلود. وهي بذلك تندرج ضمن الأدب الذي يُسائل، لا الأدب الذي يُجيب، واضعة القارئ في قلب المتاهة لا على هامشها.



تاريخ النشر ::3/22/2025 1:29:05 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا