Mobile : 00436889919948 [email protected]
Follow us:

بوابة دمشق

في الأزمنة الثقافية.. التواصل أم الانقطاع

في الأزمنة الثقافية.. التواصل أم الانقطاع



في الأزمنة الثقافية.. التواصل أم الانقطاع

شرفات الكلام*


أحمد علي هلال


لا مناص من القول أن زمن الكتاب والذي يذهب كثيرون إلى إحالته إلى زمنٍ ثقافيٍ باذخ قد أصبح طي النسيان أو هو على ذات الطريق في مقابل نهوض زمن آخر هو زمن الشبكة العنكبوتية (الانترنت) بوصفه الزمن الواقعي اليوم.

تنطوي تلك الفرضيات المقرونة بالوقائع على أن الكتاب، قد انزاح عن موقعه التاريخي والإناسي ليحل معه زمنٌ يتوسل ثقافةً جاهزة لا أثر معرفياً يحيل إليه لأنه يقوم على النقل لا الإبداع وعند كثيرين أن زمن (الانترنت) قد يشكل خشبة خلاص "المكتوب" إذاً فسلطة الكتاب إلى أفول!.

ومن الواضح أن كلا الفرضيات لا تذهب إلى الحسم في مسار الأزمنة الثقافية التي تقالُ مجازاً وكأنها تبدأ من حيث انتهى زمنٌ سابق وتتأسس على لاحقٍ لا يعنى بالإبداع إلا في حالة العبور فيما الكتاب "كوسيط ثقافيٍ أول" كما ذهب ريجيس دوبريه سيعود إلى ما قبل أزمنته والتي كان بها محرضاً للتفكير والتأمل ومستبقياً لدى قارئه ذاكرةً ثقافيةً مديدة، زمنٌ ما زال الكتاب فيه جسر تواصلٍ وحوار بين العقول والأفئدة والحواس والأجيال المتعاقبة وقد كان هو "المعلم" المشتهى والناطق الوسيط والحامل لحواراتٍ وما أندرها، فيما الشبكة العنكبوتية بكل تجلياتها الميديوية قد اقتحمت زمننا بثقافة مختلفة ولغةٌ تم تداولها بصرف النظر عن طريقة خطابها ولمن تخصه رسائلها ويصبح معها سؤال المعرفة سؤالاً ناقصاً لأن ما تقدمه لا يتخفف عن طبيعته العابرة صورةً ومعنى، فضلاً عن ذلك أن مثنوية النقل والإبداع سيكون مثالها الساطع هو في قلب تلك الشبكة العنكبوتية-الانترنت فهي الوسيط الثقافي اليوم الذي تمتحن نزاهته لا بمعنى المعايير الأخلاقية والفكرية فحسب بل بمدى ما تحمله من منظوماتٍ جديدة تطرح على الفكر والتفكير شكلاً تداولياً يعصف به الاستهلاك وتتناهبه السرعة وتنتهي به الأحكام سريعةً دون أن تستبقي لذاكرة الكتاب ما يدل على هويته بكل المعاني.

 فهل يعود المكتوب وهو حقاً يعود في غير بقعة من العالم إلى التداول من حيز القراءة إلى حيز المعرفة فالحضور.؟!

يتندر اليوم الأكاديميون وأساتذة الأدب بأن الكتاب قد تنازل عن مرتبته الأولى ليحل في مرتبة ثانية، وما يسمى بلغة الدبلوماسية "مصلحة مفهومة على نحوٍ جيد ولعل بعضهم قد يكثف أطروحته بالتالي: "بدل أن يتحول الكتاب إلى رواية دونكيشوت الأزمنة المعاصرة بقي الكتاب في صيغة الانترنت، في موقع رواية الأمل لأندريه مارلو في أوج إحدى أفتك الحروب الأهلية التي شهدها العالم المعاصر".

وعلى الأرجح هنا أننا نذهب إلى تأكيد حقيقةٍ هي أن الأزمنة الثقافية لا بد لها من أن تتحاور وتتكامل وأن تتماثل في اللحظات التي يكون فيها المشترك هو الإبداع فالكتاب ضيف على الانترنت والانترنت هو ساحته المعرفية الجديدة والضيافة هنا هي تبادل الأدوار أكثر منها تغييب للأفكار فحق المضيف على الضيف الاستقبال والترحيب والقيام بما يستحقه الضيف أي أن المعرفة تتكامل على نحوٍ جدلي ولا تؤسس للقطيعة بهذا المعنى .

لا نضيف جديداً بقولنا أن زمن الكتاب انتهى، بل نقول إنه ابتدأ مستشرفاً في تلك الفضاءات الجديدة تُبعاً لتكامل الأدوار والرسائل فالمرتبة الأولى قد تكون الثانية والثانية قد تكون هي الأولى بامتياز.

وهكذا فإنما تنطوي عليه مقولة الزمن الثقافي يبدو أكثر من مقولة فلسفية تذهب إلى محض تجريدٍ ذهني  إلى ما يجاورها من حركة الأرواح النشطة التي تعي موقعها لتصوغ أفعالاً إنسانيةً على الأدب والإبداع اليوم أن يترجمها مستفيداً من تظافر فضاءات مختلفة تتكامل لتعطي التداول ذلك المعنى الذي يكاد أن يغيب!.


*كاتب وناقد فلسطيني/ دمشق



تاريخ النشر ::1/25/2024 8:30:33 PM

أرشيف القسم

صفحاتنا على مواقع السوشيال ميديا