«أكثر بكثير»… نص نواياه تراود فكرة «الفني»

أكثر بكثير
«أكثر بكثير»… نص نواياه تراود فكرة «الفني»
بعيدا عما يلمح إليه العنوان العالي «أكثر بكثير» كمدخل أولي للغواية التي اعتمدها ادموند دي كونغور الفرنسي لاستنباط القدرة الكامنة في النص قبل الولوج بعمق المضمون المخبوء كعلامات دلالية له، تسلم قيادها طوعا لمريدها، في الوقت نفسه، يحيلنا لمرجعية الحال لاستشفاف التواتر التصاعدي الذي يمكننا تتبعه كخط بياني ممتد بين نقطتين الأولى «أكثر» والتالية «بكثير» بينهما تماما يستطيع القارئ العارف الإمساك بخيوط اللعبة الإبداعية التي يجهد صاحبها وبكل ممكناته مواراتها، ليبقى وحده المتفرد في هذه الساحة، وكتعريف اصطلاحي نتلمس بفطرة الكلام عملية التزاوج الكمي بين المفردتين، كوسيلة ناجعة للتعبير عما لا نطيقه من فداحة الحياة، أكثر بكثير مما نخلب به بين قوسي (الدهشة)..
يتداعى هذا كله تحت العتبة «أكثر بكثير» التي أسسها الكاتب السوري بسام كوسا، لتكون بابا آخر لحيوات أخرى، ربما عشنا بعض تفاصيلها أو سمعنا عنها. وكي لا ينفتح فرجار التأويل أكثر بكثير مما عليه الحال، أجزم بأن الكوسا أراد من هـذه المروية أن تكون النسخة الطبق الأصل لصورة الإنسان السوري، الذي استفاق من مغبة همومه، ليجد أنه زج عن طريق العمد بدوامة حرب ليس له فيها لا ناقة ولا جمل. «مبروك» بطلها أنا وأنت بغض النظر عن الضفة التي تقف على هاويتها أو الملاذ الذي تعتقد بأنه آمن.
حكاية مبروك كفكرة عامة لرواية، قد يتناولها القارئ على غير نفس، ومنذ صفحاتها الأولى، من باب ان الدور الذي فصله الكاتب لبطله مبروك – وكما أسلفت في المطالع – يتناسب مع مقاس كل مواطن سوري، هـذا إذ لم يكن كل عربي، يمكن ان يتلبسه لكون واقع الحال صار واحدا، يعني بالمعنى العامي، هـذا الدور أحنا عشناه ولم نزل نكابده.
ومن هنا يفضي هذا الكلام إلى أن الرواية تقف على قائمين اثنين بعد سقوط القائم الأول «الفكرة» لتبقى على قائم «اللغة» وقائم «المعمار» وفي رأيي ليس في هذا مثلبة على الرواية كعمل أدبي من ناحية معمارها، فبعيدا عن فكرة القوائم هذه، يستطيع العمل الإبداعي خلق حضور لافت من خلال وقوفه على قائم واحد، فكثير من الروايات نجدها تعتمد على عامل اللغة وأخرى تتكئ على فعالية الحدث، بمعزل عن الرواية التي تقوم على الفنيات العالية معتمدة على ما يخلقه الكاتب من فعالية تشويقية وغيرها.
من عايش الأدوار الفنية التي أداها الكاتب كفنان، عرف في الوسط الفني بـ(اللبيس) سيهمس في دخيلته: هذا هو بسام كوسا الممثل بشحمه ولحمه.
فمع انسيابية اللغة وتماسكها حتى سطر المروية الأخير، لا يمكنني نفي تأثر الكاتب بلغة السيناريو، وهذا واضح ودون أي لبس، من خلال اشتغاله على خلق جمل تعبيرية تنحاز أكثر للغة السيناريو، الذي يخفت من الشائق السردي، وهذا يشي بأن بسام كوسا كتب «أكثر بكثير» بجلباب الفنان العارف، أكثر بكثير من الفصال الذي خاطه ليكون على مقاس مبروك البطل ككاتب.
بسهولة يمكن للمرء استشعار حركة مبروك الفنية على أرض الحدث، أبعد من كونها اشتغالا قرائيا. عمد الكاتب بعناية العارف على تشكيل وبناء شخصية مبروك لتكون وحدها دينمو مرويته، وهذا على حساب الشخصيات الثانوية والداعمة، التي أوكل أيضا لمبروك دور إفشاء هوية كل منها، علما بأنه كان قادرا على استنطاق تلك الشخصيات للاستفادة القصوى من حضورها في العمل، كشخصية إيليا اليهودي، والأستاذ الجامعي الذي ترك البلاد بعدما وصل وضع البلد إلى ما وصل إليه، وكذلك زوجة برهان، التي ماتت ووليدها مسمومين، ألا تتعادل كفتي الجهل والحرب في هذا المقام؟
خيوط عديدة فلتت من حبكة بسام كوسا الكاتب، وبقيت أسئلتها معلقة دون أجوبة، كان يمكن جمعها في عقدة واحدة للخروج بنص روائي متكامل.
يبقى السؤال، هل أراد بسام كوسا أثناء الكتابة أن يكون نص «أكثر بكثير» محملا على الفن؟ في المجمل نص الرواية قابل للقراءة ويندرج تحت سقف السهل الممتنع، فالاشتغال اللغوي سليم وهو ما يعطي القراءة سلاسة.
كاتب سوري
الكلمات المفتاحية
إقرأ أيضًا
"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..
زيارة د. تمام كيلاني إلى الجمهورية العربية السورية – نيسان أبريل 2025
الاكثر شهرة