اليوم العالمي للغة العربية: فخرنا وهويتنا

اليوم العالمي للغة العربية: فخرنا وهويتنا
د. تمام كيلاني

 

اليوم العالمي للغة العربية: فخرنا وهويتنا


د. تمام كيلاني*

 

في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية، لغة القرآن الكريم، ولغة حضارات أضاءت الفكر الإنساني على مر العصور. تم اعتماد هذا اليوم بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3190 في عام 1973، لإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، وذلك بناءً على اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية. هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إداري، بل هو اعتراف عالمي بعظمة اللغة العربية، وثقلها الثقافي والحضاري على الصعيدين الإنساني والدولي.

اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي هوية الأمة وحضارتها، وعنوان عقلها وروحها. هي لغة القرآن، لغة الشعر والفكر، لغة العلم والتأليف، لغة تتفوق في القدرة على التعبير عن أعقد المعاني وأدق المشاعر. وهي لغة مرنة وقوية، قادرة على استيعاب المصطلحات العلمية والتقنية الحديثة، كما استوعبت على مر التاريخ ثقافات وحضارات متعاقبة دون أن تفقد جوهرها وعراقتها.

ولكن، للأسف، نجد اليوم من يقلل من شأن لغتنا العربية، ويزعم أنها “ليست لغة العصر”، وأنه من الصعب دراسة الطب أو العلوم الحديثة بها. وهنا تظهر المفارقة الكبيرة: دول صغيرة لا يتجاوز تعداد سكانها عشرين مليون نسمة تدرس الطب والعلوم بلغتها الوطنية بكفاءة عالية، بينما نحن نسمح لتحديات فكرية ومجتمعية بأن تضعف من مكانة لغتنا بين أبنائنا.

واقعنا المؤلم أننا نرى الكثير من أبناء اللغة العربية عاجزين عن كتابة رسالة صحيحة، والكثير من السياسيين والقادة عاجزين عن قراءة خطاب بلغة سليمة وواضحة. هذه الظاهرة ليست مجرد عيب شخصي، بل هي انعكاس لهجرة تدريجية من اللغة العربية، مما يهدد هويتنا الثقافية والحضارية.

في هذا السياق، لا بد أن نذكر قولاً مؤثرًا: “عرِّبوا ألسنة أولادكم أولاً… ثم افعلوا بهم ما تشاءون… فلغة القرآن دين قبل أن تكون لساناً.” إنها دعوة صادقة لترسيخ لغتنا في نفوس الأجيال القادمة، لتكون العربية جزءًا لا يتجزأ من هويتهم وقيمهم وأفكارهم.

اليوم العالمي للغة العربية ليس مجرد احتفال شكلي، بل هو دعوة صادقة لإعادة الاعتبار إلى لغتنا. علينا أن نجعل العربية حية في بيوتنا، في مدارسنا، في أماكن عملنا، وفي كل تواصلنا اليومي. علينا أن نعلّم أبنائنا جمالها وثراءها، وأن نفتح أمامهم آفاق الإبداع والابتكار باللغة العربية.

علينا أن نفخر بلغتنا العربية كما نفخر بتاريخنا وحضارتنا. علينا أن نزرعها في نفوس الأجيال القادمة، لأنها ليست مجرد كلمات تُكتب أو تُقرأ، بل هي إرث خالد، وكنز ثمين، وهوية لا تُستبدل. إن الحفاظ على لغتنا هو الحفاظ على أنفسنا، وعلى حضارتنا، وعلى قيمنا التي تشكل جذورنا وأساس وجودنا.

فلنرفع صوتنا اليوم، لا لنحتفل فقط، بل لنؤكد التزامنا بلغتنا، ونضعها في مكانتها اللائقة بين لغات العالم. لنجعلها فخرنا في كل مناسبة، وننقلها بفخر وإبداع لكل من حولنا، لأن اللغة العربية ليست فقط لغة الماضي، بل هي لغة المستقبل التي تستحق أن نحتفي بها ونحميها ونعلّمها بفخر وإصرار.

اليوم العالمي للغة العربية هو فرصة لكل منا ليتذكر مسؤولياته تجاه لغته، ولنعمل معًا على أن تبقى العربية حية في قلوبنا، متجددة في عقولنا، ومشرقة في حضارتنا.

 

*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بالنمسا.


تعليق / الرد من


الاكثر شهرة

تابعونا


جارٍ التحميل...