من القلم إلى القدم… إلى الإبهام

من القلم إلى القدم… إلى الإبهام
د. تمام كيلاني

من القلم إلى القدم… إلى الإبهام


د. تمام كيلاني

حين قال توفيق الحكيم:
«انتهى عصر القلم ليبدأ عصر القدم»
لم يكن يطلق نكتة ثقافية، بل كان يقرع جرس إنذار. كان يرى مبكرًا كيف يُدفع العقل إلى الهامش، وكيف يتحوّل التفكير إلى نشاط ثانوي في أمة تصفق أكثر مما تقرأ.

اليوم، لم ينتهِ عصر القلم فقط،
ولا توقفنا عند عصر القدم،
بل سقطنا في عصرٍ ثالث أكثر تسطيحًا:
عصر الإبهام… عصر السوشيال ميديا، الفيسبوك، والتيك توك.

وردني خبر إغلاق القسم العربي في المكتبة المركزية في الدنمارك.
لا بسبب عنصرية،
ولا بسبب سياسة إقصاء،
بل لأن الحقيقة كانت أكثر فظاعة:
لم يطلب أحد كتابًا عربيًا منذ أكثر من عام.

عام كامل من الصمت.
عام كامل والكتب العربية واقفة كالأيتام،
لا أحد يلتفت إليها،
ولا أحد يشعر بالخجل.

وفي اليوم نفسه،
رأيت فيديو لطوابير من الصينيين يقفون لساعات
للدخول إلى مكتبة.
ليس من أجل الخبز،
ولا من أجل هاتف،
بل من أجل القراءة.

وهنا يصبح الصمت جريمة.

لسنا أمة فقيرة،
نحن أمة مستهلكة.
نستهلك الأخبار دون فهم،
والآراء دون معرفة،
والقضايا دون قراءة.

نكتب منشورات طويلة عن كل شيء،
إلا عن كتاب لم نعد نلمسه.
نصرخ عن الهوية،
ونقتل لغتنا بأيدينا حين نهجر كتبها.

الكتاب العربي لا يُحارَب…
الكتاب العربي يُخون.
يُترك على الرف حتى يصبح عبئًا،
ثم يُزال بلا ضجيج،
ولا أحد يسأل: لماذا؟

في أوروبا، حيث تُحترم المعرفة،
أُغلِق قسم عربي لأن العرب لم يأتوا.
لا لأنهم مُنعوا،
بل لأنهم انشغلوا.

انشغلوا بالشاشات،
وبالجدالات العقيمة،
وبعدّ الإعجابات،
ونسوا أن أمة إقرأ أصبحت لا تقرأ
لا تفكّر،
ولا تختار،
ولا تقرّر.

لو عاد توفيق الحكيم اليوم،
لما قال انتهى عصر القلم فقط،
بل لقال:
انتهى عصر العقل… وبدأ عصر الضجيج.

القراءة ليست هواية للنخبة،
بل خط الدفاع الأخير عن الوعي.
ومن يتنازل عنها،
يتنازل عن حقه في الفهم.

هذه ليست مرثية للكتاب،
بل اتهام مباشر لنا جميعًا.

افتح كتابًا…
أو اقبل أن يُغلق عنك العالم.

 

*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بالنمسا


تعليق / الرد من


الاكثر شهرة

تابعونا


جارٍ التحميل...