لقاء على قارعة حلم سابق
العبث بخطوط رواية فكرة لئيمة
طلال مرتضى*
ثمة امرأة فادحة تشفت بي ضحكاً عندما قبضت عليّ "بهية"
متلبسا في غيهب الحلم، حيث كنت اناددني حول فكرة وصول مجنونتي بقطار الشرق القادم
من جهة الجنون.
لعلها سعت الخيال يا سيدتي، فالعشاق المجنون يولم في
رأسه ألف فكرة غاوية ثم يرشها على قارعة طريق الشغف، كقمبس العصافير، في محاولة قد
تنجح بجر تلك المرأة التي أدمنت غيابها وسدت على روحها نوافذ العطر.
أنا ابن خيالي يا سيدتي، أمس وأنا اتتبع خيوط رواية
لاهبة، ارتكبتها امرأة مجنونة لا ظل لحضورها، فتنتني بطلتها، بصراحة مطلقة،
راودتني فكرة لئيمة وقتها، وبما أن الرواية لم تدخل مطبخ المطبعة بعد، قررت حين انتهي
من قراءتها وكي أشد من أزر الحبكة، أن أوقع بطلها في حضن شخصية ثانوية، لم تنتبه
لحضورها الكاتبة، حتى إنها لم تعرها أي انتباه، وذلك كي لا تزحزح حضور بطلتها الكبرى
في عيون القارئ.
لا اخفيك سرا يا مريم، لم تكن غايتي بالفعل ما ذكرته أعلاه،
فالخيوط في هذه الرواية متكاملة تماما، مثل فيلم هندي تمر دقائقه الأولى بمخاض
عسير ولكن عند شارة النهاية لا بد أن يلتقي البطل والبطلة ليتزوجوا وينجبوا لهذه
الحياة أطفال جدد.
أنا من وضع اللمسات الأخيرة للشرك الذي نصبته للبطل وكنت
وقتها بكامل أهليتي الكتابية، كان الأمر أيسر مما خلت، من السهل أن تجر رجل إلى
حضن امرأة مجانبة، لكن الأمر متعب لو قلبنا المعادلة، بجرة قلم، جملة وحيدة تنتهي
بنقطة غيرت معادلة اللعبة كلها.
همست بإذنها:
_ لا يكفي أن تتحركِ في النص العامر بالشغب كأنك وحدك
هنا، لتجعلي مني قارئا تابعا.
لعل كلمتي الأخيرة نبهت حواسها وقبل أن تخطو لتدخل سطر
السرد التالي، رفعت جبينها لتنظر في وجهي:
_ هل تعتقد أنه من الجيد مخاطبة القارئ من داخل نص
الرواية، الا يكفه مرافقتي من خلال البعيد؟
_ يا سيدي هذا القارئ من لحم ودم، يستحق التفاتتك.
لبرهة اعتقدت بأن الكاتبة هي الأخرى لم يرق لها أمر فتح
باب موارب مع البطلة من خارج نصها، شعرتُ بصمت اللحظة وقتها، التي استغرقتها بعدة
نقاط طويلة على السطر.........
أيقنت لحظتها بأن اللغة قد خانتها تماما، وتجلى ذلك
عندما أطلقت بأول سطر الكلام ميميتها المحببة على قلبي:
_ مممممممممم
نجحت المؤامرة هذه المرة، لأن البطلة الفادحة
تلمست غياب شريكها الطويل وعلى غير عذر، حتى أن درجات حرارة شغفه خفتت إلى أقصى
معدلها فكانت فرصتي، وقت قررت الدفع بفتاته الثانوية إلى متن الحبكة، لتشعل حول
ذاتها حضورا لافتا، تلك لعبتي يا مريم ككاتب مجنون، لا ضمير يؤنبه ولا لأحد سلطة
عليه كي يردعه، أريد نسف كل شيء يا مريم.
استطعت عزل البطلة بعدما أدخلتها في سراديب الغياب ولعدة
فصول، فحين تلفتت حولها، لم تجد سوى جدران لا نوافذ لها وظلام، صارت على الحياد
بعدما أخبرتها بأن شريكها الذي عاهدها بأن يمشي وإياها حتى كلمة النهاية، فتح
دفترا جديد وغادر.
العزلة والغياب يا مريم مرض وبيل وقاتل، حين يدهم روح
غضة يفتك بها، حيث يتمنى المرء في هذه اللحظة أن تتحقق معجزة التعلق بقشة للنجاة
من مغبة الغرق، كيف لا وأنا ابن غيابك ايتها المجنونة، الغياب الذي أعيش تفاصيله
حتى في الحلم.
اقتربت من اذني كي لا تلفت انتباه الكلمات المرقونة
على الصفحات بين يدي هامسة:
_ ما السبيل لخروجي من هذا النفق يا طلال؟
_ الخروج من سهب الرواية يحتاج امرأة مجنونة، ترمي كل دفاتر
الماضي على غير منة وراء ظهر الغياب لكي تعود لذاتها، وبالشعر المكين يكمن خلاصك،
تلك وصفة مجربة يا سيدتي، فسهب الرواية الوارف الخضرة والتفاصيل الناعمة لا تغرقه
إلا بحور الشعر، أكتبي لفارسك المنتظر نداء غاويا، لعله يكسر أنف الغياب ويعود.
رميت بين يديه ورقة بيضاء وقلم، باتت تعرف سكة القطار
إلى أي الجهات سائرة وغادرت.
لم تنظر طويلا قبل أن ترمي بورقتها دوح الهواء، في
محاولة لوقوعها بين يدي:
ألن تأتي!
هذا النفق لا سماء له
لا قمر صغير
ولا نجوم
عد فأنا متعبة
بين أصابعك كسيجارة مفخخة
لف مهدي
لا ضير إن أشعلت حواسي كلها لتولم
برؤوسنا دوار العناق
ألم تنعتني ذات حريق بـ حشيشة
قلبك!
مْجني بين شفاهك مثل ظامئ
أهوج
وعلى مزاج اللحظة طيرني كفراشة
فوق رأسك
زوابع من دخان الهادرة من
بين شفاهك
تغريني
ما عدت أعرف أيا منا قد أدمن
الآخر!
ما شئت بين باهمك وسبابتك
جس تفاصيلي كلها
اخنقني
حد انقطاع الجمر بين
أصابعك
بعثرني رمادا في هواء اللحظة
بعثرني بك
كي أقوم من رمادي عنقاء
توك ولدتني"
هذا الغياب مر يا امرأة، كافر ولا يستتاب، فلماذا
تعتنقينه؟
أنا لا أحب الروايات الكلاسيكية، تغريني تلك الرواية
التي تترك لعابرها هامشا يتسلل من خلاله دوح نصها، لا لأجل إرباك الحبكة، بل ليرد
إليه بطلته رد عاشق، وهو الآخر لا يستتاب بعشقه.
منذ مدة لم أفك خيوط رواية جديدة يا مريم، وبدعة عزل
البطلة تلك كانت فكرة للامساك بك وأن تمارسين طقس القصيدة ظل القطيعة.
*كاتب عربي/ فيينا.