الإيطالي ليون كايتاني مؤسس المدرسة الاستشراقية

الإيطالي ليون كايتاني مؤسس المدرسة الاستشراقية

 الإيطالي ليون كايتاني مؤسس المدرسة الاستشراقية 
بقلم/لطيفة محمد حسيب القاضي 
اذا تتبعنا مسيرة الاستشراق في اوربا نجد أن إيطاليا هي  المهد الأساسي للدراسات الإسلامية في القارة الأوربية وينضوي ذلك من خلال اهتمام المستشرقون الايطاليون بالدراسات العربية الإسلامية  منذ عهد مبكر اتصلت إيطاليا بالشرق اتصالا وثيقا فكان الفاتيكان  يدعم ويرعى ويشرف على الدراسات البحثية الإسلامية  فقاموا الباباوات بالتوجه إلى دراسة اللغة العربية وإنشاء كراسٍ لتعليمها واستمر الاهتمام بالعالم الإسلامي وكان نتيجة ذلك ظهور عدد كبير من المستشرقين في مختلف العلوم المتنوعة وقدموا الدراسات في ميادين مختلفة ومن أهم هذه الدراسات دراسة سيرة النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام وتحليلها ومناقشتها ونشرها وترجمتها إلى اللغة الإيطالية. 
أن المستشرقين لهم كتابات واسعة عن  تاريخ وثقافة المسلمين على أختلاف اتجاهاتهم  وأفكارهم والمعنى المقصود منها فكتبوا عن سيرة حياة الإسلام والمسلمين وعن النبي الكريم سيدنا محمد ومدى القيمة العلمية لهم؛ فقد كانت الكتابات الأولى للمستشرقين تفضح جهلا وحقدا وكذبا لأنهم وصفوا النبي بما هو قبيح وذلك بناء على سند وبرهان غير عقلي أو نقلي . 
وبناء على ذلك جاء كثير من المستشرقين الايطالين ليكتبوا عن السيرة النبوية الشريفة ومن بينهم الأمير كايتني الذي كان أشهر المستشرقين الإيطاليين ويعتبر مؤسس المدرسة الاستشراقية الجديدة في إيطاليا لقد كان من أسرة ارستقراطية من كبار الامراءفي روما و كان لهذه الأسرة شأن كبير في تاريخ إيطاليا؛ درس في جامعة روما وحصل على الإجازة منها عام ١٨٩١م ودرس الآداب فهو من أشهر المستشرقين الايطاليين أجاد سبعة لغات ومنها اللاتينية والعربية والفارسية ومتميز بثقافته الواسعةفهو عالم نبيل حر صاحب عمل دؤوب ما عرف عنه إلا القيام دائما بالواجب مما تزدان به حياة العظماء ولا جرم بأنه جمع بين التواضع والفكر النير ولا يقول إلا ما يعلم .الأمير كايتني فكان من الأغنياء وأنفق ثروته على العلم والبحث، ومتميز حيث كتاباته تعتبر مادة واسعة ومتشعبة تستغرق وقتا طويلا من البحث  واعتمد في كتاباته على المصادر العربية بشكل كبير.
يعد الامير كايتني من أبرز المستشرقين الايطاليين الذين اهتموا كثيرا بالتاريخ العربي الإسلامي بالتالي أنفق كثير من امواله على البعثات العلمية والاستشراقية فقد نقل الحقائق التاريخية بشكل ايجابي ويميل إلى الاقتراب من الحقائق فكان يتوخى الدقة له العديد من الموضوعات فى تاريخ وثقافة المسلمين فكتب عن السيرة الذاتية للمسلمين منذ بداية البعثة النبوية للنبي 

عمل نائب في البرلمان في روما.

عين سفيرا لبلاده في الولايات المتحدة الأمريكية وتعرض لكثير من النقد وظهرت له كراهية القوميين الايطاليين لمعارضته للغاية والنتيجة كانت نفيه إلى كندا وبقي هناك حتى توفى.

رحلات كايتاني 
 قام بالعديد من الرحلات إلى العالم الإسلامي أثناء دراسته في الجامعة وأولها إلى مصر ودخل شبه جزيرة سيناء وكتب عنها ورحلة إلى دمشق والجزائر وتونس والقدس وتدمر والهند وايران زار خلال رحلته مدن الدول ومعالمها الاسلامية.
جهز ثلاث قوافل لترتاد مناطق الفتح الإسلامي وترسمها جغرافيا وقام بجمع كل الأخبار الواردة عن حركة الفتح .
كان العالم كايتني أثناء رحلاته يتوخى الوقوف  على المواقع التاريخية في كل دولة أو مدينة يزورها فقام بتصوير الأحداث والمواقع التاريخية  والتحقيق من الوثائق و تحليل المواقف           
  
مؤلفات كايتن
لم تكن كتب كايتني تصدر بتحامل على الإسلام والمسلمين كما هو الحال عند كثير من المستشرقين بل كانت نزعته وضعية  وصريحة في معالجة أحداث التاريخ ويقوم بتوضيح ما كتبه في تحليله العميق للاسلام فكان يرسل المسودات التي سوف تطبع إلى عدد من المختصين في التاريخ لكي يصل إلى اقتراحاتهم فكلف أمهر دارسي العربية  بترجمة بعض المصادر العربيةالتى يحتاجها في تأليفه مع العلم بأنهم لم يكن لهم دور في التحرير في كتب  الأمير كايتني.
مؤلفات عبارة عن موضوعات كبيرة ترتكز حول التاريخ والتراجم وأغلبها يختص بالعالم الإسلامي ومن مؤلفاته كتاب "حوليات الإسلام " كتب فيه عن أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية في نشوء الإسلام وتطوره وأعطى الدافع مركز قويا في الدعوى الاسلامية، حيث أنه حلل فيه الإسلام في عشرة مجلدات فيه صور عدد كبير من المخطوطات العربية والمراجع الأوربية ترجم بنفسه مع الاستعانة ببعض المستشرقين الإيطاليين النصوص من العربية إلى الإيطالية ورتب الموسوعة حسب السنين أو الحوليات على غرار المؤلفات العربية مثل أبن الكثير ،وابن الاثير وقام بتحرير الموسوعة من اولها إلى آخرها وعندما صدر الكتاب وحقق نجاحا كبيرا في إيطاليا وفي اوربا  روج المغرضين إشاعة بأن الكتاب من تأليف هؤلاء المساكين المترجمين وأن الأمير استغلهم ووضع على الكتاب اسمه وجاء الأمير كايتني ورفع الأمر إلى القضاء  فشهد هؤلاء المترجمين أنهم لم يكتبوا كلمة واحدة واقتصر عملهم على ترجمة بعض المصادر التاريخية  من العربية إلى الإيطالية فصدري حكم بأن الكتاب من تأليف كايتني .
كان كايتاني من المعجبين بشخصية النبي فناقش في الكتاب صور الإسلام في الغرب واعطي رؤيةواضحة عن شخصيةالنبي وذلك من خلال المعطيات فكان يضع تحت كل سنة الحوادث حسب  المصادر سواء مطبوعة أو مخطوطات ويقدم فيها الروايات والحوادث والاشخاص. الموضوعيةوالعقلية والتي أثبتت صحتها مع نجاح الرسالة،قدم المادة بطريقة سوية وانتهى من الكتاب عام ١٩١٥م طبع من هذا الكتاب مئتين وخمسين نسخة ووزعها على المجمعات العلمية والجامعات .
ألف كتاب "تاريخ موجز للاسلام" يتناول الكتاب الحقبة الزمنية منذ السنة الأولى للهجرة. وحتى عام ٩٢٢هجري ذكر فيه كل المصادر والمخطوطات المطبوعة ولم يصدرمنه سوى خمس كراسات وتشتمل على تواريخ السنوات حتى نهاية الدولة الأموية عام١٩٢٣م لقد سرد الحوادث بأكملها بشكل موسع.وبعد ذلك أصدر "معجم الإعلام العربية" معجم أبدي لأسماء الأشخاص والاماكن في كتب التاريخ والتراجم والبلدان وكتب الجغرافيه المطبوعة والمخطوطة ولقد كان بمساعدة المستشرق (جوزية جابريلي)  وصدر منه مجلدين.
"معجم السير والمؤلفات الإيطالية "صدر منه مجلد واحد عام ١٩٢٤م فهذا المعجم يعتبر خارج عن نطاق الإسلام والعالم الإسلامي لأنه يضم جميع المؤلفين الإيطاليين ومؤلفاتهم.
ويختم كتاباته بأن يشيد باخلاص الرسول وتفانيه في سبيل المصلحة العامة ورغبته في تحقيق الخير ويشيد بحنكة وسياسة الرسول في نشر الدين الإسلامي. 
إلى جانب هذه المشاريع الثقافية فقد نشرجزء من  كتاب "تجارب الأمم لمسكوبه" على شكل مخطوطات .
مكتبةكاتياني
كاتياني له مكتبة زاخرة بالكتب النفيسة والمخطوطات النادرة وأضاف للمكتبة ما استنسخه من مكتبة المستشرق الإسباني آسين بلاثيوس ولقد قال  الأستاذ محمد كرد عند زيارته للمكتبة  كاتياني "من زار هذه المكتبة فأنه زار مكتبات العالم  أجمع" فكان يدفن نفسه في مكتبته ويأنس بكتبه وابحاثه 
هجرته إلى كندا
في عام ١٩٢٢ انتخب وهو في التاسعة والثلاثين رئيس وزراء إيطاليا فكان من أعداء النظام الفاشي إزاء القسوة والحقد على الاحرار الذي يتسم به هذا النظام وأراد أن ينقذ مكتبته فأهداها إلى الأكاديمية لتكون نواة المؤسسة للدراسات الإسلامية ولا تزال هذه المؤسسة قائمة حتى وقتنا الحالي ضمن الأكاديمية 
وعندما هاجر كاتياني إلى كندا عام ١٩٢٧م مع زوجته وابنته اهدى مكتبته الثمينة إلى الأكاديمية الإيطالية التى كان يعمل فيها عضوا مراسلات عام ١٩١١م ثم عضوا كاملا في سنه ١٩١٩ 
اشترى مزرعة صغيرة في كندا وعاش فيها وكان هذا هو نهاية النشاط الثقافي والعلمي الاستشراقي للامير كايتني وبعدها لم يصدر اي كتاب وانقطعت صلته بالوسط الثقافي في إيطاليا بسبب النظام الفاشي
  فكان مع ابنته وسط الجبال والطبيعة في كندا وبذلك عوض ما خسره في إيطاليا فحصل على الجنسية الكندية وجرد من الجنسية الإيطالية  وفصل من الأكاديمية الإيطالية ولكنه لبث أن توفى بالسرطان في  ٢٥ديسمبر/كانون الأول ١٩٣٥م واقامت ابنته الشاعرة والسامة في المزرع مؤسسة ثقافية خيرية ولا تزال إلى اليوم تحمل اسم العائلة.

نقد كتابات الأمير كايتني
وعلى الرغم من أن كتب كايتني تميل إلى حد كبير إلى الحقيقة  الا أنه يميل إلى النزعة النقدية التى توصف بالشك في قبول وثائق التاريخ الإسلامي مع الاهتمام الكبير للجانب الديني وإعطاء الأهمية للجوانب الاقتصادية والسياسيّة والاجتماعيّة  والجغرافية فيبزهم ومع العلم بالن النقد عند كايتني لم يصدر عن تحامل على الدين الإسلامي كما هو الحال عند كثير من المستشرقين في ذلك الوقت  التي كانت نزعتهم وضعية في معالجة الأحداث التاريخية على غرار المؤرخين ذوى النزعة العلمية الوضعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. 
سبب انتشار الإسلام 
ويقول كاتياني أن سبب انتشار الإسلام بشكل سريع بين النصارى هو حب الشرق للافكار الواضحة البسيطة ولا تقبل الجدل والمبادئ الواضحة لأن الإسلام دين سمح منح العبد رجاء ،وانسانية وإخاء ووهب الناس ادراكا  للحقائق الأساسية التى تقوم عليها الطبيعة الإنسانية 
على أية حال فإن مؤلفات كايتني تعطي صورة شاملة لتاريخ الشعوب الإسلامية كلها منذ بداية الإسلام إلا لابد من الحذر والتحذير منها فإن كايتاني في كتابته عن الإسلام لا يخلو من الهفوات والتعصب والخلل لأنها بنيت على اساس مخالفة لما استقر عند المسلمين من مناهج لذلك تجد فيها المتناقضات والمغالطات للحقيقة في مناهج وغايات البحث  وهذا بأنه  لأن التوثيق الذي يأتي على المغالطات فيه تضليل للحقيقة وظلم للأجيال القادمة ،وكثير من المستشرقين لا يستطيع أن يتخلص من تلك الأوهام التى غرست فيهم منذ الصغر في المشروع الاستشراقي فعملوا على التشكيك في مصادر الإسلام وتراثه وتاريخه.

 

الإيطالي ليون كايتاني مؤسس المدرسة الاستشراقية

إقرأ أيضًا

بوابة القاهرة

ارتفاع أسعار المواد البترولية على السلع والمواطن والحلول المقترحة

ارتفاع أسعار المواد البترولية على السلع والمواطن والحلول المقترحة
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب بُهتانُ الشِّعر

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب بُهتانُ الشِّعر
بوابة القاهرة

الشاعر اليمني الدكتور عبد الولي الشميري يكتب لجوء

الشاعر اليمني الدكتور عبد الولي الشميري يكتب لجوء
بوابة القاهرة

قصيدة عودة يكتبها الشاعر د. عبد الولي الشميري

قصيدة عودة يكتبها الشاعر د. عبد الولي الشميري
بوابة القاهرة

قصيدة الفَرَج يكتبها الشاعر الكبير الدكتور عبد الولي الشميري

قصيدة الفَرَج يكتبها الشاعر الكبير الدكتور عبد الولي الشميري
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيده لُجوء

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيده لُجوء
بوابة القاهرة

ليتهم يعلَمون قصيدة يكتبها الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري

ليتهم يعلَمون قصيدة يكتبها الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري


الاكثر شهرة
المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق

  المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق مؤتمر الياسمين   فن ومدن* تحت عنوان (الابتكارات الطب...

أسئلة مباحة في زمن صعب!!

  أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين*       هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...

عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح باب الحوار

  عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح  باب الحوار   ملاك صالح صالح*   في الكثير من البيوت العربية،...

الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!!

  الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!!   ملاك صالح صالح*   قبل أن تبدأ رحلتنا في بحر ال...

تابعونا


جارٍ التحميل...