البروفيسورة السعودية سامية العمودي: أسعى إلى تحقيق تمكينٍ صحيٍ حقيقيٍ للمرأة

البروفيسورة السعودية سامية العمودي: أسعى إلى تحقيق تمكينٍ صحيٍ حقيقيٍ للمرأة

البروفيسورة السعودية سامية العمودي: أسعى إلى تحقيق تمكينٍ صحيٍ حقيقيٍ للمرأة


أجرى الحوار: لطيفة محمد حسيب القاضي


البروفيسور سامية العمودي طبيبة استشارية في أمراض النساء والتوليد في المملكة العربية السعودية، ناجية من سرطان الثدي مرتين. تُعد من أبرز رموز التمكين الصحي للمرأة في العالم العربي.
أسست مشروع عيادات سامية للناجيات — وهو الأول من نوعه في المنطقة — دعمًا للنساء المتعافيات من سرطان الثدي، كما كانت المؤسسة  لمركز محمد حسين العمودي للتميز في رعاية مرضى سرطان الثدي بجامعة الملك عبدالعزيز (2010)، مبادرة التمكين الصحي والحقوق الصحية (2016).
حازت على جائزة الشجاعة العالمية من الحكومة الأمريكية تقديرًا لجهودها في كسر حاجز الصمت حول سرطان الثدي، وهي ناشطة محلية وعالمية في مجال الحقوق الصحية للمرأة، ونالت العديد من الجوائز والتكريمات الدولية.
ومن مؤلفاتها البارزة كتاب “مذكرات امرأة سعودية”، الذي تُرجم إلى الإنجليزية والفرنسية.. وقد أجرت الحصاد معها حوارًا حصريًا تتناول أبرز إنجازاتها ورؤيتها حول التمكين الصحي للمرأة.


 بصفتك إحدى أوائل خريجات كلية الطب جامعة الملك عبد العزيز 1981. ما هي أبرز التحديات التي واجهتك في بداية مسيرتك المهنية، وكيف أثرت هذه التجربة الفريدة في توجيه اهتمامك والتزامك الشخصي والمهني بصحة المرأة، خاصة في مجال سرطان الثدي وحقوق المريضات؟
سامية العمودي: من أبرز التحديات التي واجهتني كانت تقبّل المجتمع لفكرة دخول المرأة هذا المجال. أتذكر أن والدتي – رحمها الله – واجهت هجوماً شديداً من المحيطين بها، إذ كانوا يستغربون موافقتها على عملي في مهنةٍ قد تتطلب الاختلاط بالرجال، بل وحتى المبيت أحياناً في المستشفى. غير أن صمودها وإيمانها بي كان الدافع الأكبر لاستمراري. ومع مرور الوقت وتبدّل القناعات، وبعد تخرجي وتعييني وكيلةً لعميدة كلية الطب لقسم الطالبات، أصبح أولئك المعارضون أنفسهم يلجأون إليّ لمساعدة بناتهم على الالتحاق بكلية الطب.

 متى كان بداية اهتمامك بقضايا المرأة؟
سامية العمودي: بدأ اهتمامي بقضايا المرأة قبل إصابتي بسرطان الثدي عام 2006، أي في فترة مبكرة من مسيرتي، حيث كنت أعبّر عن هذا الاهتمام عبر عمودي الأسبوعي في صحيفة المدينة، التي كتبت فيها موضوعات مختلفة تمس المرأة وتعبّر عن همومها وطموحاتها. ومنذ بداياتي، كنت شغوفة بالكتابة، فهي بالنسبة لي وسيلة للتعبير والدفاع عن كل ما يخص المرأة وقضاياها.

 حولتِ تجربتك الشخصية عند إصابتك بسرطان الثدي مرتين في عام 2015 إلى منبر توعوي مؤثر. كيف أثرت هذه الرحلة على رسالتك، وعلى طبيعة الدعم الذي تقدمينه للناجيات من مرض السرطان؟ 
سامية العمودي: إصابتي مرتين بمرض السرطان غيرت مناحي حياتي منذ أول مرة وكوني استشارية نساء وتوليد وناجية من السرطان، جعلني أدرك معاناة المصابات والناجيات، وأدرك أهمية نشر الوعي بالفحص المبكر. لذلك خرجت بقصتي للعلن عبر الكتابة في جريدة المدينة، إذ شعرت بمسؤوليتي الطبية والشرعية والمجتمعية بنشر أهمية الفحص المبكر. بل شعرت بأنها رسالة حب أحملها لكل امرأة لأقول لها:" لا تنسي الفحص المبكر للأورام".

 أطلقتِ أول عيادة من نوعها في العالم العربي تُعنى بدعم الناجيات من السرطان صحيًا ونفسيًا واجتماعيًا، تحت شعار "نحو العالم الأول في صحة المرأة". ما الرسالة التي تودين توجيهها للمرأة العربية من خلال هذه المبادرة الرائدة؟
سامية العمودي: مشروع عيادات سامية للناجيات وُلد من رحم المعاناة، ومن تجربة شخصية عشتها كطبيبة وناجية في آن واحد. فقد أدركت خلال رحلتي أن المصابات والناجيات يحتجن إلى خدمات متكاملة لا تقتصر على العلاج الطبي، بل تمتد لتشمل الدعم النفسي والاجتماعي، وهي خدمات ما زالت غير متوفرة بالشكل الكافي في منطقتنا. ومن هذا الإحساس بالمسؤولية أطلقتُ هذا المشروع الذي حلمتُ به طويلًا، إيمانًا مني بأن التمكين الصحي للمرأة حق أساسي من حقوقها، وأن الاهتمام بصحة الناجيات هو جزء من مسيرة ارتقاء المجتمع نحو العالم الأول.

 في عام 2007، حصلتِ على جائزة "أشجع امرأة دولية" من وزارة الخارجية الأمريكية. ماذا تمثل لكِ هذه الجائزة، وكيف انعكست على جهودك في دعم قضايا المرأة والصحة على المستوى العالمي؟
سامية العمودي: لا شك أن هذه الجائزة كانت مصدر سعادة وفخر كبير لي على الصعيد الشخصي، لكنها بالنسبة لي كانت قبل كل شيء جرس إنذار قويًا. لفت أنظار العالم إلى أهمية قضية سرطان الثدي وضرورة التعامل معه بجدية على المستويين المحلي والعالمي. لقد منحتني هذه الجائزة منصة أوسع ومسؤولية أكبر لأواصل رسالتي في نشر الوعي وتمكين النساء صحيًا وإنسانيًا.

كتبتِ مجموعة من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية في مجالي طب النساء والتوليد وسرطان الثدي. مما الأثر الذي تأملين تحقيقه لدى القارئ؟
سامية العمودي: من خلال مؤلفاتي أسعى إلى تحقيق التمكين الصحي الحقيقي للمرأة، وذلك عبر إيصال المعلومة الطبية الصحيحة والموثوقة لكل قارئ وقارئة، بحيث تصبح المعرفة الصحية جزءًا من وعي المجتمع وثقافته. كما أهدف إلى نشر الوعي بحقوق مريضات السرطان والتأكيد على أهمية حصولهن على الرعاية الشاملة والدعم المستمر في رحلتهن العلاجية.
كما أحرص دائمًا على أن أشارك تجربتي الشخصية مع المرض، لأنني أؤمن أن المثال الحي أصدق وأعمق أثرًا من أي طرح نظري، فهو يلامس القلوب ويمنح الأمل، ويؤكد أن الشفاء والإصرار ممكنان مهما كانت التحديات.

 يُوثق كتابكِ «مذكرات امرأة سعودية» رحلتك مع سرطان الثدي، ويكشف عن التحديات التي واجهتها كامرأة سعودية وطبيبة، كما يعكس رؤيتك الجريئة لكسر الصمت حول صحة المرأة في مجتمع محافظ. 
قلتِ فيه: «أنا امرأة سعودية كسرت حاجز الصمت، وتحدثت عن جسدي وعن مرضي، لأمنح غيري صوتًا وأملًا».
 ما الثمن الشخصي الذي دفعتهِ لكسر هذا الحاجز، وهل شعرتِ أحيانًا أن مسؤوليتك في منح الأمل للآخرين أثقلت رحلتك نحو الشفاء؟
سامية العمودي: بفضل الله، لم أشعر بالندم لحظة على خروجي بقصتي للعلن وكسر حاجز الصمت تجاه قضية ما زالت تعاني من الكثير من التعتيم في مجتمعاتنا. وعندما أصبت بالمرض، كنت دائمًا أقول إن إصابتي لحكمة لا يعلمها إلا الله، وقد أكد لي ما قمت به لاحقًا صحة هذا الاعتقاد. مشاركتي لتجربتي لم تكن عبئًا على رحلتي نحو الشفاء، بل كانت رسالة أمل وإلهام لكل من يمر بتجربة مماثلة، وتجربة شفاء روحية في الوقت نفسه.

 أسستِ مركز الشيخ محمد حسين العمودي للتميز لرعاية مرضى سرطان الثدي. ما الدوافع والأسباب التي دفعتك إلى إنشاء هذا المركز، وما الدور الذي يهدف إلى تحقيقه؟
سامية العمودي: أثناء مشاركتي في برنامج US-MEP لشراكة الشرق  بين المملكة والإمارات والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، زرتُ عدة مراكز عالمية لعلاج السرطان، حيث اطلعت على منظومات علاج متكاملة وشاملة. ومن هنا جاءت رغبتي في إنشاء مركز في جامعة الملك عبد العزيز، يوفر خدمات متعددة للنساء، من أهمها خدمة الفحص المبكر المجاني، ليكون نموذجًا للرعاية المتكاملة لمريضات سرطان الثدي في المملكة.

 برأيكِ، هل لا تزال هناك تحديات قائمة في مجال رعاية مرضى السرطان في المملكة العربية السعودية، وما أهم هذه القضايا التي تتطلب معالجة عاجلة؟
سامية العمودي: لا تزال بعض المعتقدات الخاطئة والمخاوف بشأن الكشف المبكر باستخدام أشعة الماموغرام قائمة بين النساء، ما يستدعي تكثيف جهود التوعية والتثقيف الصحي. من المهم أن نفهم أن الفحص المبكر آمن وضروري، وهو السبيل الأكثر فعالية لاكتشاف السرطان مبكرًا، مما يساهم بشكل كبير في تقليل المضاعفات وخفض معدلات الوفيات بين النساء.

 كيف استطعتِ الحفاظ على التوازن بين مسؤولياتك المهنية المتعددة وحياتك الشخصية، خصوصًا خلال فترة رحلتك العلاجية؟
سامية العمودي: كان من الضروري التكيف مع الظروف، لذلك توقفت عن ممارسة التوليد في تلك الفترة، إذ تتطلب متابعة الولادات الانتظار لساعات طويلة مع المريضات، واكتفيت بالعمل في العيادات والمهام الأكاديمية كوني أستاذة في كلية الطب، حيث أجد في التدريس شغفي وحافزي المستمر، مما ساعدني على الموازنة بين العلاج ومسؤولياتي المهنية.

 كتابكِ «الناجيات من سرطان الثدي» يوثق قصص نساء سعوديات خضن التجربة، ويقدّم نموذجًا داعمًا للناجيات، ويعد مرجعًا مهمًا لدعم السلامة النفسية والاجتماعية للمرأة. هل تعتقدين أن الكتاب نجح في بناء مجتمع دعم حقيقي يمتد أثره، خصوصًا فيما يتعلق بالصحة النفسية للناجيات؟
سامية العمودي: نعم، بالتأكيد. غالبًا ما أقدّم كتابي كهدية مجانية لكل سيدة تزور المركز أو تتواصل معي، ويكون تعليقها عادة: «قراءة قصتك دعمتني وجعلتني أشعر براحة أكبر وتقبّل لحالتي». هذه الردود تؤكد أن الكتاب نجح في خلق مجتمع دعم حقيقي للناجيات، يعزز ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية للمرأة.

 تناولتِ قضية حساسة للغاية تتعلق بحقوق الإنجاب للمرضى، وتمكنتِ من إقناع كبار العلماء بضرورة إصدار فتوى تجيز تجميد البويضات في ذلك الوقت. هل شعرتِ حينها أنك تخوضين معركة مزدوجة على الصعيدين الطبي والشرعي؟
سامية العمودي: لقد شغلتني هذه القضية لسنوات طويلة، إذ إن الحقوق الإنجابية لا خلاف عليها، والأنبياء طلبوا الذرية، كما في قوله تعالى: «ربي لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين». ناقشت هذه القضية بعمق في كتابي «الحقوق الصحية الإنجابية لمرضى السرطان»، وعرض بعض الزملاء المهتمين الموضوع على هيئة كبار العلماء في ضوء التقنيات الحديثة، حتى تم إصدار الموافقة الشرعية اللازمة، ما أتاح للنساء المرضى الحق في الحفاظ على قدرتهن الإنجابية بطريقة آمنة متوافقة مع الشريعة.

 بعد أن أصبحتِ رمزًا عالميًا، هل ترين أن هناك مسؤوليات إضافية تقع على عاتقك تجاه قضايا المرأة عمومًا، أم تفضلين التركيز على القضايا الصحية فقط؟
سامية العمودي: جميع قضايا المرأة تهمني، لكن تركيزي الأساسي يظل على القضايا الصحية، نظرًا لكوني طبيبة وناجية من المرض، وأملك خبرة متراكمة في هذا المجال تساعدني على تقديم دعم فعّال وواقعي للنساء في مختلف مراحل حياتهن الصحية.

 تحدثتِ عن قضايا مستقبلية في رعاية مرضى السرطان. برأيك، ما هي الخطوات العملية الأكثر أهمية التي يجب على المجتمع الطبي والمؤسسات الحكومية في المملكة اتخاذها لمواجهة هذه التحديات القادمة؟
سامية العمودي: برأيي، أن هناك جهوداً جبارة وقفزات رائعة تحققت من قبل الجهات الطبية والحكومية في المملكة حققت لنا الكثير من رؤية ٢٠٣٠ ونظل بحاجة الى مزيد من الخطوات العملية المتكاملة لتطوير منظومة متكاملة لرعاية مرضى السرطان، تشمل تعزيز برامج الفحص المبكر وزيادة التوعية المجتمعية بأهمية الكشف المبكر، وتوفير دعم نفسي واجتماعي مستدام للمرضى والناجيات. كما أرى أن تدريب الكوادر الطبية على أحدث التقنيات العلاجية وتطبيق المعايير العالمية في التشخيص والرعاية، بالإضافة إلى تعزيز البحث العلمي المحلي في مجال السرطان، يعد من أبرز العناصر التي ستُمكننا من مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية وحماية حياة النساء والمجتمع على حد سواء.


يُعد شهر أكتوبر  شهر التوعية بسرطان الثدي، فما الرسالة الأهم التي تودين توجيهها للنساء حول الكشف المبكر والوقاية؟ 
سامية العمودي: على كل امرأة أن تعرف جسدها، تلتزم بالفحوصات الدورية، ولا تتأخر عن طلب المساعدة الطبية عند أول أعراض أو تغيّر. هذه الخطوات ليست مجرد رعاية شخصية، بل هي رسالة حب وحرص على الصحة لكل امرأة في مجتمعها. التثقيف المستمر والوعي الصحي هما ما يجعلنا قادرين على خفض المخاطر، وحماية أنفسنا وأحبائنا من هذا المرض.









 

البروفيسورة السعودية سامية العمودي: أسعى إلى تحقيق تمكينٍ صحيٍ حقيقيٍ للمرأة

إقرأ أيضًا

بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيده شمير

الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيده شمير
بوابة القاهرة

الشاعر عبد الولي الشميري يكتب قصيدة بالله قِفي

الشاعر عبد الولي الشميري يكتب قصيدة بالله قِفي
بوابة القاهرة

الشاعر الدكتور عبد الولي الشمري يكتب قصيدة بالله قِفي

الشاعر الدكتور عبد الولي الشمري يكتب قصيدة بالله قِفي
بوابة القاهرة

الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة عاوز ايه

الدكتور عبد الولي الشميري يكتب قصيدة عاوز ايه


الاكثر شهرة
المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق

  المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق مؤتمر الياسمين   فن ومدن* تحت عنوان (الابتكارات الطب...

أسئلة مباحة في زمن صعب!!

  أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين*       هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...

عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح باب الحوار

  عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح  باب الحوار   ملاك صالح صالح*   في الكثير من البيوت العربية،...

التغيرات الجديد بقانون الزواج والمساعدات بالنمسا

التغيرات الجديد بقانون الزواج والمساعدات بالنمسا فن ومدن*   دعا اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بال...

تابعونا


جارٍ التحميل...