الوضع الداكن

من ثورة الثامن من آذار إلى الحركة التصحيحية في سوريا

من ثورة الثامن من آذار إلى الحركة التصحيحية في سوريا
د. تمام كيلاني

من ثورة الثامن من آذار إلى الحركة التصحيحية في سوريا

سياقات التحول وصراع السلطة

 

د. تمام كيلاني*

 

مقدمة

تُعدّ الفترة الممتدة بين عامي 1963 و1970 واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا وتحوّلًا في التاريخ السياسي المعاصر لسوريا. فهي مرحلة تميزت بالانقلابات العسكرية، وصعود حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم، وتفاقم الصراعات الداخلية بين أجنحة الحزب والجيش، وانتهت بقيام مايسمى باطلا “الحركة التصحيحية” بقيادة حافظ الأسد، التي وضعت حدًا لفترة من الفوضى السياسية وأعادت ترتيب البيت البعثي والسلطة في البلاد.

أولًا: ثورة الثامن من آذار 1963 – صعود حزب البعث إلى السلطة

خلفية الثورة:

في صباح الجمعة 8 آذار 1963، شهدت سوريا انقلابًا عسكريًا قاده ضباط بعثيون  وعلى رأسهم زياد الحريري بمساعدة بعض الضباط الناصريين والمستقلين. أطاح هذا الانقلاب بحكومة ناظم القدسي ممهدًا الطريق لحكم حزب البعث العربي الاشتراكي.

 

الأسباب:

  1. فشل الوحدة السورية المصرية (1958-1961) وما خلفته من انقسام حاد في الشارع السوري.
  2. التنافس الإيديولوجي بين الناصريين، البعثيين، والشيوعيين.
  3. رغبة الجيش، وخصوصًا التنظيم العسكري البعثي، في الإمساك بزمام السلطة.

نتائج الانقلاب:

  • استلام مجلس قيادة الثورة الحكم.
  • تعيين صلاح البيطار (أحد مؤسسي حزب البعث) رئيسًا للحكومة.
  • البدء بإجراءات قومية واشتراكية، منها التأميم والإصلاح الزراعي، ما أدى إلى تغييرات اجتماعية واسعة.وتدمير الاقتصاد وقمع الحريات

ثانيًا: سنوات الصراع والتوتر داخل السلطة (1963 – 1966)

رغم وحدة الشعارات، إلا أن التحالف الذي قاد الانقلاب كان هشًا، وسرعان ما ظهرت التباينات:

  1. الصراع بين البعثيين والناصريين:
  • شهدت الفترة الأولى من الحكم خلافات كبيرة بين البعثيين والضباط الناصريين.
  • في تموز 1963، تم إقصاء الضباط الناصريين بعد محاولة انقلاب فاشلة، ما مهد الطريق لسيطرة البعثيين وحدهم على الحكم.

نت تقصد العقيد جاسم علوان، الذي قاد محاولة انقلاب عسكري فاشلة في سوريا بتاريخ 18 يوليو 1963، وليس أغسطس 1964 كما ذكرت، وذلك بعد فترة من انقلاب حزب البعث (مارس 1963)  .

 

خلفية المحاولة الانقلابية

  • بعد انقلاب البعث في 8 مارس 1963 ضد حكومة انفصالية، بدأت حملة تطهير ضمت قيادات ناصرية مثل علوان  .

      في 18 يوليو 1963، نظم جاسم علوان (مع زميله الرائد رافع المعري) محاولة انقلاب، استهدف خلالها مبنى قيادة الجيش ومحطة الإذاعة في دمشق، معلنين رفضهم انفصال سوريا عن مصر  .

      اندلعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل العديد وإلقاء القبض على نحو 27 ضابطًا ناصريًا، أُعدم بعضهم لاحقًا  .

المحاكمة والعقوبة

      تم إلقاء القبض على جاسم علوان والمعري خلال اختبائهما في ريف دمشق، ونُظم لهما محكمة عسكرية استثنائية قضت بإعدامهما بتهمة الخيانة

      صدر حكم بالإعدام ثم تخفيضه إلى السجن المؤبد في ديسمبر 1963 بوساطات من قادة عرب مثل جمال عبدالناصر، عبد السلام عارف، هواري بومدين، وتيتو

المنفى والعودة

      نُفي علوان إلى مصر حيث استقبله عبدالناصر، ومنحه رتبة وزير، وبقي زعيمًا للتيار الناصري السوري هناك ديّن التأثير  .

      عاد إلى سوريا عام 2005 بعد أربعين عامًا في المنفى، وتم استقباله رسمياً من قبل النظام السوري، وعاش في دمشق أو دير الزور حتى وفاته في 3 يناير 2018 في القاهرة عن عمر يناهز 89 عامًا

كما شهدت هذه الفترة أحداثا دمويه في مدينة حماه في نيسان عام ١٩٦٤ وتم قتل عدد من زعماء حماه من امثال رياض العظم وعثمان الامين وحكم على غيرهم بالإعدام وتم هدم جامع السلطان وحوصرت المدينة لمدة اسابيع ومنع عنها الماء والغذاءالى ان اعلنت الاستسلام ورفعت الرايات البيضاءوكان ذلك في زمن امين الحافظ ( رئيسا للدولة) وعبد الحليم خدام ( محافظا لحماه) ونور الدين الأتاسي ( وزيرا للداخلية)

  1. الانقسام داخل حزب البعث:

      انقسم الحزب بين القيادة القومية (بقيادة ميشيل عفلق وصلاح البيطار) والقيادة القطرية السورية التي كانت أكثر راديكالية.

      بدأ ظهور الجناح العسكري البعثي، الذي تزعمه ضباط أمثال صلاح جديد وحافظ الأسد ومحمد عمران.

  1. تصاعد دور اللجنة العسكرية:
  • اللجنة العسكرية، التي تأسست سرًا أثناء الوحدة مع مصر، أصبحت تمسك بمفاصل الدولة، لا سيما بعد التخلص من الناصريين.
  • كانت تضم شخصيات بعثية علوية ودرزية مثل صلاح جديد، حافظ الأسد، محمد عمران، وسلمان حلالا.

ثالثًا: انقلاب 23 شباط 1966 – بداية الحكم الراديكالي

في 23 شباط 1966، أطاحت اللجنة العسكرية، بقيادة صلاح جديد، بالقيادة القومية لحزب البعث، واعتُقل كل من ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأُبعدوا إلى المنفى. وهكذا انتهى الجناح التقليدي للحزب وبدأت مرحلة أكثر تطرفًا.

ملامح الحكم الجديد:

      سيطرة اليسار البعثي الراديكالي بقيادة صلاح جديد.

      تطبيق سياسات اشتراكية أكثر جذرية: تأميم شبه كامل، تطوير المؤسسات النقابية، إعادة مصادرة الأراضي و توزيع الأراضي على الفلاحين

  • تبني خطاب قومي وعقائدي صارم، ودعم الحركات الثورية في الوطن العربي (كالفلسطينيين والجبهة الشعبية في اليمن).

أبرز التحديات:

  1. الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتورط سوريا في صدامات حدودية.
  2. حرب حزيران 1967، التي شكلت ضربة قاسية، خاصة بخسارة هضبة الجولان والإعلان عن سقوط القنيطرة والجولان الحصين قبل سقوطه ب ٤٨ ساعه.
  3. تزايد الخلافات داخل القيادة، لا سيما بين صلاح جديد (مدني) وحافظ الأسد (عسكري).

رابعًا: من هزيمة 1967 إلى الحركة التصحيحية 1970

تأثير نكسة حزيران:

      خسارة الجولان وتسليمه  كانت نقطة تحول كبيرة.

      تحميل القيادة السياسية، وخصوصًا صلاح جديد، مسؤولية فشل الجيش.

      تزايد قوة الجيش بقيادة حافظ الأسد، الذي بدأ بتوسيع نفوذه وتحضير حركته ضد القيادة المدنية.

الانقسام الأخير:

      أصبح المشهد مقسمًا بوضوح بين:

  • صلاح جديد: يقود الجناح المدني الإيديولوجي في الحزب.

      حافظ الأسد: وزير الدفاع، يقود الجناح العسكري ويطالب بالتركيز على إعادة بناء الجيش واتباع سياسات أكثر براغماتية.

قيام الحركة التصحيحية:

في 16 تشرين الثاني 1970، قاد حافظ الأسد انقلابًا داخليًا وصف بأنه “حركة تصحيحية”، أطاح فيه بصلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي، وتم سجن معظم أعضاء القيادة السابقة.

أسباب نجاح الحركة التصحيحية:

      الدعم الواسع الذي حظي به حافظ الأسد في الجيش.

      تراجع شعبية القيادة القديمة بعد هزيمة 1967.

      إصرار الأسد على استقرار الدولة وإبعاد الصراعات الحزبية عن مؤسسات الحكم والانفراد بالحكم

خاتمة

بين عامي 1963 و1970، مرت سوريا بتحولات عميقة قادتها من حكم مدني متقلب إلى نظام شمولي تقوده النخبة العسكرية – البعثية. شكّلت الحركة التصحيحية نقطة نهاية لفترة من الانقلابات والانقسامات الداخلية، وبداية لمرحلة جديدة من الحكم المستقر تحت قيادة حافظ الأسد، وتميزت هذه الفتره بانها دمويه والذي عمل وخطط  على ان يستمر الحزب  في السلطة لعقود لاحقة ويؤسس لنظام سياسي جديد يُعرف باسم “الدولة الأسدية”.وقاد البلاد إلى حرب دمويه وقتل وشرد مئات الالاف في حماه وجسر الشغور وإدلب وحلب وسأتطرق إلى ذلك لاحقا.

 

*رئيس اتحاد الأطباء والصيادلة العرب بالنمسا/ فيينا.

 


كلمات البحث

إقرأ أيضًا

بوابة فيينا

تقرير مفصل عن مرحلة حافظ الأسد (1970–2000)

تقرير مفصل عن مرحلة حافظ الأسد (1970–2000)
بوابة فيينا

مجزرة سربرنيتسا: ثلاثون عامًا وما زال الجرح مفتوحًا (1995 - 2025)

مجزرة سربرنيتسا: ثلاثون عامًا وما زال الجرح مفتوحًا (1995 - 2025)
بوابة فيينا

لقاء عيد الفطر باتحاد الأطباء العرب بالنمسا

لقاء عيد الفطر باتحاد الأطباء العرب بالنمسا
بوابة فيينا

إفطار رمضاني لعوائل الأطباء العرب بالنمسا

إفطار رمضاني لعوائل الأطباء العرب بالنمسا
بوابة فيينا

البيت السوداني في (فال) والحضور إشارات!!

البيت السوداني في (فال) والحضور إشارات!!


الاكثر شهرة

أسئلة مباحة في زمن صعب!!

  أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين*       هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات بيننا كبشر؟ ألم تعل...

سورية قادرة على النهوض من جديد!!

  سورية قادرة على النهوض من جديد!! فن ومدن*   في ليلة مفعمة بالمشاعر والأمل، اجتمع أبناء الجالية السورية والعربية لي...

"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..

  "محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..   * درويش استلافاته كثيرة وكان يستفيض من بر...

مطار دمشق

أفضل طيران في العالم.. أول الواصلين إلى دمشق❤️   الخطوط الجوية القطرية تستأنف رحلاتها الجوية من الدوحة إلى دمشق ا...

تابعونا