المشهد السوري كلي ولا يتجزأ..
خارطة سورية
المشهد السوري كلي ولا يتجزأ..
إبراهيم حميدي*
معظمكم شركاء في هذا المشهد، كلٌّ بقدر ما أنكر أو برر أو غضَّ الطَّرف.
منذ شاهدتم فيديوهات "انت علوي و لا سنّي" التي غالباً ما كانت تنتهي ب "شي بيخرّي" ثم تحولت إلى رصاصٍ قاتل يُطلق على النّاس بدمٍ بارد لمجرّد كلمة "علوي" و سكتّم، كنتم تؤسسون لهذا المشهد!
ثم تكرر ذلك في السّويداء، و تكرر صمتكم معه!
من منكم لم يشاهد فيديو أو أكثر من هذهِ الفيديوهات؟ و من لم يسمع بفيديو "زت حالك" و "شو يعني سوري"؟!
و حين فرضتم هذهِ السّلطة بالقوّة و التّشبيح و كمّ الأفواه، و قلتم هذهِ قيادتكم و عليكم أن تقدموا لها الولاء و الطّاعة، دون مراعاةٍ لهواجس الآخرين، لاسيّما المذاهب و الطّوائف التي كفّرها زعيم سلطتكم علناً في لقاءٍ متلفزٍ في العام 2013. و إلى الآن لم تصدر فتوى رسميّة تبطل ذلك التّكفير. و افترضتم إنّ تبديل ثيابه كافٍ لتقولوا إنّه تغيّر، و على الآخرين أن يصدّقوا ذلك، كنتم تؤسسون لهذا المشهد!
و عندما تجاهلتم المجازر التي كانت تدور في السّاحل و عدد الضحايا في تزايد و انشغلتم بالتّطبيل لاتّفاقٍ صوريٍّ وهميّ بين زعيمَي ميليشيا جاء لتحويل الأنظار و التّغطية على الدّم، كنتم تؤسسون لهذا المشهد!
و أُعِيدَ السّيناريو ذاته في السّويداء، حيث تركتم أكثر من ألف ضحيّةٍ على الأرض و هرولتم للاحتفال ب "مؤتمر استثمار" أجوف يقود البروباغندا فيه يوتيوبرز و تيكتوكرز، و احتفيتم ب "العطاء السّعودي" و تناسيتم أنّ هذا السّعودي لم يستقبل لاجئاً سوريّاً واحداً طيلة 14 عاماً و ترك عشرات الآلاف يواجهون الموت في بحار العالم بينما كان يفرش السّجاد الأحمر للديكتاتور المجرم المسؤول الأول عن كلِّ هذا البؤس، و يعوّمه على المجتمع الدّولي، كنتم تؤسسون لهذا المشهد!
و حين طردتم الطّلاب الدّروز من جامعاتهم في حلب و دمشق و غيرها، أو سكتّم عن طردهم، و حين رأيتم مجرماً تافهاً يعتدي على شاربي رجلٍ طاعنٍ في السّن، و حين جُعلَت صورة سلطان باشا الأطرش تحت الأقدام و مرَّ الحدث و كأنّه في الأرجنتين!
و صرفتم النظر عن الحصار القائم إلى هذهِ اللحظة، و راح البعض منكم يسخر و يشمت بمدينة كاملة، كنتم تؤسسون لهذا المشهد!
كلّ جريمةٍ سُكِت عنها و كلّ زيفٍ صُفِّق له، كان يعبّد الطريق أمام هذا الشّرخ و هذهِ الكارثة !
بالنّسبة لي، كلّ من يرفع علم "إسرائيل" أو يسعى إلى التّطبيع معها أو الاعتراف بها، نذلٌ ولا شيء يجمعني به إلى الأبد. و هذا ينطبق على أيّ شخص، في السّويداء و في كل الأرض، و إن كانت سلطتكم قد دفعت ابن السويداء إلى ذلك و ضيَّقت الخناق عليه و جعلته بين الموت الحتمي أو الاستعانة بالوحوش.
و لكنه لا يقلّ نذالةً عمّن رفع علم الكيان و قال "شكراً نتنياهو" حين قصف الاحتلال لبنان و قتل الآلاف و هجّر مئات الآلاف من أهله. و لا يقل نذالةً عن "محافظ" دمشق حين قال: "لا يوجد لدينا أي خوف تجاه إسرائيل و مشكلتنا ليست معها... هناك شعب يريد التّعايش و يريد السّلام" ! و لا يقل نذالة عمّن سهّل دخول الصحفي و المخرج "الإسرائيلي" إيتاي آنغيل إلى دمشق و تجوّله فيها و كأنه يتجوّل في تل أبيب !
و لا يقلّ نذالةً عن سلطةٍ أصبح لقاء مسؤوليها بمسؤولي الاحتلال، سراً و جهراً، أسهل من لقاء جارين يقيمان في حيٍّ واحد. و لا يقل نذالةً عن زعيم سلطتكم الذي قال: "بيننا و بين إسرائيل عدوٌّ مشترك"!
و لا يقلّ نذالةً، كذلك، عن النّخَب التي بدأت بالتّرويج ل "السّلام" و ادّعت أنّ "إسرائيل" أمرٌ واقع. و في أحسن الأحوال اتّخذت وضعيّة المزهريّة عندما كان تبويس الشوارب قاب قوسين أو أدنى من الحدوث بين زعيم سلطتكم و نتنياهو
جميعهم أنذال، حيث لا تتجزأ الخيانة و لا تتجزأ الوطنيّة. و من يختار الصّمت أمام الأولى، يفقد حقّه في ادّعاء الثانية. و كلّ صمتٍ اليوم حجرٌ آخر في بناء المشهد القادم، فانظروا ما تؤسسون.