مجرد انطباع حول رواية "أبراج من ورق" للمبدع سعيد رضواني.
مجرد انطباع حول رواية "أبراج من ورق" للمبدع سعيد رضواني.
بقلم/عبد الرحيم التدلاوي
"ابرج من ورق" الفائزة بجائزة أسماء صديق المطوع الإماراتية بشراكة مع دار الأدب. تقوم الكتابة لدى المبدع سعيد رضواني على بناء عقلي صارم يخضع لهندسة دقيقة تسير وفق خطة مضبوطة تتغيا خلق الدهشة لدى القارئ. فهو لا يلقي بنصوصه إلا بعد مراجعات، يقوم بقص ورتق ثم إعادة البناء، ولا يرتاح إلا حين يصير النص مكتملا لغة وبناء وترميزا ودلالة؛ إنه يقيم حوارا بناء بين كل مكونات النص سواء أكان قصة أم رواية.
وعمله الأخير، رواية "أبراج المدينة تسير وفق خطة تكاد تقربها من البناء الفلسفي المبني وفق الترسيمة التالية:
أطروحة، ونقيضها، والتركيب.
صحيح أن الرواية لا تخضع لهذا التصميم الفلسفي الدقيق، وإلا فقدت انسيابتها ودفقها الناعم والمثير، ولصارت جافة من دون ماء مما يبعد عنها القارئ؛ وهذا ما لا يسعى إليه سعيد في كل كتاباته، لكنه يبغي مراوغة القارئ وانتهاك توقعاته بالإتيان بغير المنتظر.
فكل أفراد الأسرة راموا كتابة الرواية، بيد أن الجد حققها على مستوى البناء بالطوب مشكلا ضيعته حروفا من إسمنت، ليأتي الأب فيكتب تلك الرواية بالحروف، وفي الأخير يأتي الحفيد ليعيد بناء الكل بتشييد الضيعة والرواية معا، ويحقق الرغبة التي ظلت قائمة في الغيب، متحققة جزئيا لا كليا.
هكذا، يكون الحفيد سليل هذه الشجرة المعطاء التي تريد أن تحقق الجمال المعجز.هي لعبةٌ سرديَّةٌ تمتدُّ من الجدّ إلى الحفيد، مرورًا بالأب، حيث تتصادى ذاكرات الأجيال، بانيةً معمارًا فنِّيًّا بديعًا، قوامُه السعي إلى حفظ الذاكرة والتمسُّك بالأمل في استعادة الحروف المندثرة. في تتبُّعِ الحفيدِ مسارَ الأب الذي سعى إلى تخليد معمار قلعة الحروف، تستعيد رواية أبراج من ورق للكتابة هيبتَها وللمعمار مجدَه وللتراث مكانتَه. والتجريب في أبراج من ورق ليس التجريب الشكليّ الذي يستعرض مهارات سرديَّة، بل هو تجريبٌ يُنتج وحدةً عضويَّة بين الشكل والمضمون والرؤية. بين الوالد والابن، وبين هواجس الذات ومكاشفتها، وتماهي الأحياء والأموات، يضع الحفيدُ سرديَّتَه التي تخلِّد ضيعةَ جدِّه وتنتشل روايةَ أبيه من الضياع وتقاوم قبحَ الأسمنت بكلِّ ما أسعفتها به اللغةُ من أسلحة. في رواية أبراج من ورق تترسَّخ حقيقةٌ أزليَّة: الورق أقوى من الأسمنت." ملخص دقيق ومركز من دار الآداب.
"
ويستوقفنا هذا الخيط الناظم لتعاقب أجيال هذه الاسرة في رواية أبراج من ورق"، متأملين رواية "مائة عام من العزلة"، ومستحضرين أجواءها ، و تاريخ أركديو ومدينة ماكوندو من التأسيس إلى الإنهيار أو المسح بانتهاء عقب تلك الأسرة البانية.
فأحداث تلك الرواية تدور حول مدينة متخيلة في كولومبيا تدعى مدينة ماكوندو، إذ يتحدث الكاتب عنها منذ تأسيسها وحتى نهايتها مرورًا بستة أجيال من عائلة بوينديا، وتبدأ الرواية بهروب البطريرك خوسيه أركاديو بوينديا من مدينته هو وزوجته أورسولا، وذلك بعد الجريمة التي ارتكبها وقتل شخصًا يدعى أغيلار.
فالضيعة التي بناها الجد تحولت رواية بناها الأب، ليعيد الحفيد بناءهما بالطريقة التي رغب فيها الاثنان بعد ان كاد الخراب يبتلعهما. وهو ما يشكل نقطة نهاية العمل.
وإذا كانت رواية ماركيز تشير إلى البداية والنهاية ويقوم العمل الروائي على إعادة إحيائها تخييليا بواسطة الفن الروائي، فإن أبراجا من ورق سعت إلى تخليد تاريخ الأسرة بترميم التالف والحفاظ عليه من الضياع.
تاريخ النشر ::4/13/2025 9:26:55 AM
أرشيف القسم