كفاكم هزوا أيها المدونون وأنصاف الصحفيين!

د. تمام كيلاني
كفاكم هزوا أيها المدونون وأنصاف الصحفيين!
د. تمام كيلاني*
كل يوم يطالعنا صحفي أو مدوّن أو فيديو، يزعم صاحبه أنه جاء بـ”سبق صحفي” أو بكشف خطير، بينما هو في الحقيقة لا يستند إلى أبسط معايير الصحة أو المهنية.
يظنون أنهم يصنعون وعياً، بينما لا يصنعون سوى ضجيجًا يُربك الساعي للإصلاح، ويمنح الطغيان القديم فرصة ليتجمّل من جديد.
لو أن الحقائق تُكتب بالحبر فقط، لطمستها الأكاذيب منذ زمن، لكن الحقيقة تُنقش في الذاكرة، وتُروى في وجع الشعوب، وتُفضح كلما ادّعى المنافقون الشجاعة بعد أن طُويت صفحة الطغيان.
اليوم تعلو أصوات من يُسمّون بـ”الصحفيين الأحرار”، فيمارسون دور الرقيب الحاد، ويخضعون كل تصريح لمسؤول جديد لمجهرهم الزائف، وكأنهم وُلدوا من رحم الثورة ورضعوا من صدر الحقيقة! أما الأمس القريب، فكانوا فيه طبّالي الطغيان، يمجّدون “القائد” كما يُمجَّد الصنم، يهتفون: “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، حتى إن ابتسم صفقوا، وإن صمت صفقوا، وإن توعّد صفقوا…
ثم يخرجون الآن في عباءة الشجاعة المتأخرة ليُمارسوا النقد على من يحاول إصلاح ما فسد منذ عقود.
أين كانت ضمائركم، أيها الكتبة، حين كان الدم يُهدر، والبلاد تُسرق، والناس تُقهر؟ أين كانت أقلامكم حين كان النظام يجرّ البلاد إلى الهاوية؟ لماذا لم تتحرك ضمائركم في حضرة الرعب والظلم؟
هذه ليست ظاهرة جديدة، فكم من مجلس وُصف بأنه يمثّل “الأمة”، وهو في الحقيقة يمثل الذل والخنوع. حين وقف عبد الناصر بعد انفصال الوحدة وقال إنه سيرسل القوات لتأديب سوريا، صفق مجلس الأمة. وحين تراجع عن ذلك وقال إنه لن يغزوها، صفقوا كذلك! تصفيق أعمى، لا مبادئ فيه، بل تبعية مطلقة.
أي أمة هذه التي تريد أن تُصلح أكثر من خمسين سنة من الخراب في ستة أشهر؟ أي عقل يقبل هذا المنطق المضحك المبكي؟
إن المرحلة الآن ليست مثالية، ولا المسؤولون ملائكة، لكن الانحياز للحق لا يعني أن نكون انتقائيين في صدقنا.
وهنا لا بد من التذكير بأن الخطاب الهادئ والمتوازن هو مفتاح بناء المجتمعات، وهو السبيل إلى الحوار الحقيقي والتفاهم، خاصة في الأوقات التي تشتد فيها الفتن وتعلو فيها الأصوات المتشنجة.
كما قال الله تعالى:
“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”
وكما قال النبي ﷺ:
“المؤمن ليس بلعّان ولا طعّان ولا فاحش ولا بذيء.”
الدعوة للاعتدال ليست ضعفًا، بل هي قمة القوة والعقل.
وتهدئة النفوس ليست تنازلًا، بل هي سمو في الأخلاق ووعي بخطورة الانقسام.
كفاكم هزوا، أيها أنصاف الصحفيين.
الشعوب التي تألمت لا تحتاج إلى وعّاظ متأخرين، بل إلى ضمائر لم تُبع في سوق السلطان.
*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب في النمسا.
كلمات البحث
إقرأ أيضًا
سوريا الجديدة: لحظة الانتصار ومسؤولية البناء
سوريا التي تُنزف من الداخل: حين تصبح الخيانة وجهة نظر
رد على مقال أحمد نذير أتاسي: من خلط الوقائع إلى تبرير الخيانة!!
العالم كما يُراد لك أن تراه: حين تتحوّل الكاميرا إلى مدفع صامت
من ثورة الثامن من آذار إلى الحركة التصحيحية في سوريا
مجزرة سربرنيتسا: ثلاثون عامًا وما زال الجرح مفتوحًا (1995 - 2025)
الاكثر شهرة
أسئلة مباحة في زمن صعب!!
أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين* هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...
سورية قادرة على النهوض من جديد!!
سورية قادرة على النهوض من جديد!! فن ومدن* في ليلة مفعمة بالمشاعر والأمل، اجتمع أبناء الجالية...
"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..
"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!.. * درويش استلافاته كثي...
مطار دمشق
أفضل طيران في العالم.. أول الواصلين إلى دمشق❤️ الخطوط الجوية القطرية تستأنف رحلاتها الجوية...