الوضع الداكن

مانيفست بوكوفسكي!!

مانيفست بوكوفسكي!!
برفيسور سرجون فايز كرم

 

مانيفست بوكوفسكي!!

د. أنطوان يزبك*

 

قراءة في قصيدة مانيفست بوكوفسكي:

الدكتور سرجون كرم في مانفيست جديد و جريء حول الشعر الحديث !

 

يقول النفري : "إذا اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة " .

فاجأني الدكتور سرجون بالأمس بنص جريء جدا، هو أشبه بمطالعة في محكمة أو إعلان ثوري يشبه المانيفست ولكن بقلم أكثر حدّة وجرأة وقوّة من أي شيء آخر، نصّ صدقا لا يجرؤ أحد على كتابته غير "سرجون المحارب "، في زمن صار فيه كل النّاس (إلا أقلّهم ظاهريا وعلى ذمة مختار المحلّة ) شعراء  سرجون يكتب في حالة وعي قصوى ولا يستعير من لا وعيه في ما هو آخر كما يقول جاك لاكان، لا يتوانى لحظة عن التماهي مع الكاتب والشاعر بوكوفسكي في ذروة الانتشاء بالخمرة وحالة السكر الشديدة في ما هي لحظة صفاء وتجليات نبوئيّة، وربّ قائل: ما الذي يمنع من أن تجري الحقيقة على ألسنة البوكوفسكيين وعشاق سيرج غاينسبورغ وعميدهم أبي نؤاس، ونطرح السؤال أيضا: هل البشرية واعية فعلا حتى نجري عليها القوانين والمحاذير ؟

تبدو القوانين معكوسة فعلا، فمن حيث القانون الجائر و(عكسه ) قد نصبر كثيرا لنصل الى الحلول . والصبر يصبح مع تتابع الأيام حلوا ولكن ما الجدوى من ذلك حين فوات الأوان ؛ صبر يستوي فيه الحلو والمرّ ، كما تستوي فيه الفضيلة مع الرذيلة !

إلى أن قرّر دكتور سرجون أن حان الوقت لقول الحقيقة كما هي فقد صار كلّ النّاس الا أقلّهم شعراء يقلّدون الشعراء التّاريخيّين على مذهب عرّافة الاوراكل oracles ، التي كانت تستنشق الانبعاثات من ثغرة في فجيج الصخر وتبدأ تهلوس وكما نقول في الضيعة عند اشتداد سعير الحمّى (تطهوج) ، حان الوقت لقول الحقيقة نعم ، فبحسب واحد من الأمثلة من بلاد المجر :

" يجرّب الشيطان كلّ الناس إلا العاطل عن العمل فهو الذي بدوره يجرب الشيطان" وجحافل الشعراء لدينا من طينة العاطلين عن العمل المزمنين المتأصّلين كما تنابل السلطان ، ولا تفكهة لديهم وتجزية للوقت سوى الكتابة الشعرية كما الطقوس والإدمان .

والكتابة لدى هؤلاء على الظاهر أشبه بضرب من هذيانات كاهنات و عرّافات المعابد اليونانية القديمة اللواتي كنّ يتنشقن بنهم أبخرة الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون والكبريت العفن المغثي من ثقب في أرضيّة المعبد ، و يشرعن ببث النبؤات و الكلام العبثي ويا ليتهن (العرّافات والشاعرات ) يتكلّمن مثل شهرزاد فلكلامها نكهة المغامرة الممتعة وما أحلاها مغامرة حين تنتهي بممارسة جنسيّة حقيقية مع الملك شهريار أثمرت مولودا فنجت شهرزاد من الإعدام بقطع رأسها وتقاعد السيّاف الى أن عاد وظهر في حنايا القصائد الحديثة ، فكان الاهتياج والحبل بالمعصية !

أمّا عن رؤية بوكوفسكي فلم لا ، هو مصيب الى أبعد حدود لأنّ حجر الزاوية لا ننسى أنه كان مرذولا الى أجل معلوم حتى أخذ مكانه الأثيل ، ولا ضير أن ننظر الى رقيّ الشعر من كعب زجاجة نبيذ بلوريّة الأبعاد ، وصفاء كأس مترعة لعلّنا في مثل هذه الحالة نتعلّم الإصغاء أكثر ونتذكّر ما قاله بوكوفسكي يوما :

" أشعر بالخوف ، الخوف الشديد من أن أتحوّل إلى شخص يشبه الآخرين ".

فعلا فالّذي يسعى لكي يذوب في الجماعة يوقّع طوعا على وثيقة إعدامه ولا يترك أبدا مجالا للعودة الى البرّ الآمن، مع الأسف تحوّل الشعر الى ساحة مشاع الى ركن تعارف ، تجمّع ريعي لنوادي للعراة والمطربين والمقامرين وتجّار زيت السمك الذي يعطي الخصوبة للنساء والإنتصاب للعنين العاجز .

إن الذي يقدّم باقة ورد للخنازير يسقط توّا في صراع الإنسانية المتّسخ بأطنان من الرّياء ، ويقع ضحيّة بيانات لا معنى لها لثورة فاشلة أجهضها الدكتاتور السادي في حلم مومس عذراء وكلب شارد و ملك مخلوع.

نذكّر : في الحظيرة تلتهم الخنازير باقة الورد بعد أن تعفّرها بالقاذورات غير عابئة بألوانها وجمالها وقد سرق [ الشعراء_ المقاولون ] الشعر في ليلة حالكة ؛ وصدّروه مقددا ليقيموا على جثّته حفلات ماجنة وتحولت القصيدة الى سلعة كاسدة يتبادلونها في سوق البغاء حيث الذاكرة تحصد الأبيات النافرة وقد تعمّم فعل (لطَشَ) لأنهم يلطشون قصائد بعضهم البعض .

لقد تحوّل الشعر العربي الحديث الى طقوسيات تنبع من تضاعيفها خصال لم نكن نعرف أنّها من لدن البشر ولا أستطيع أن أذكرها كلها ، اكتفي فقط بكلمة جهالة ومن ناحية أخرى ليس عيبا أن يبحث الشاعر عن هويّة ولكن العيب أن يفرض هويّة مشبوهة وشروطا للمعرفة ، ليس عيبا أن يذكّرنا الشاعر بمثالب نريد ان نتخلّص منها لنستعيد آدميتنا ولكن العيب الكبير هو أن نعبث بحبر الذاكرة الذي دون ريب سوف يتلاشى مع الزمن !

هذا ما فعلوه ، اعتقدوا أنه ليس هنالك من حسيب أو رقيب ، ليس هنالك من ينقّب باحثا أو يتذكّر أو يتهيّب الموقف و يستطيع أن يفرّق بين الغثّ والثمين . كما اعتقدوا أيضا أن البحث عن دروب الشهرة يمرّ من خلال دروب التزلّف والياقات المعقودة على الخناق و العفّة الاصطناعية كما ال AI فأخطأ من أخطأ و ارتكب جريمة نكراء و خفت القنديل الذي ينير الطريق فباتت طريقا مظلمة لا نجرؤ على سلوكها خشية أن ينتهي بنا المطاف إلى بيت الغول و نعرّض الثليجة البيضاء للجنس المحرّم مع عصابة من الأقزام الشعراء المزيّفين pseudo - poètes وفوق كل ذلك تمّ رفض مفهوم النقد رفضا قاطعا و أقصي من المشهد العام ، حتى نبقى أسرى في ظلمة الكهف وليس غريبا ان يحدّد الدكتور سرجون عدد الكهوف التي قد تكون مثل الغرف التي تحتوي على نواويس جثث القصائد المحنطة حيث سيقف الكلب ليحمي المداخل والتخوم الى قرون طويلة قادمة !

القصيدة:

لا ليس تشارلز بوكوفسكي، بل هو أنا. هذا الإنسان العظيم الرائع الذي لا يحتاج إلى أحد. تعرفه الحانات والأكاديميا والنساء الجميلات أيضًا. إلا أنّ أمرًا واحدًا ما زال ملتبسًا عليّ: هل أكتب في الحانة بعقل الأكاديميّ أو في مكتبي وعقلي في الحانة. غير أنّ الحقيقة الجليّة هي أنّ رأسي هو الحانة. فأفكاري تطير من زاوية إلى أخرى ولغتي تحاول أن تمسكها.

في هذه الساعة بالذات، حين ترتجف يد السكّير وهو يحاول أن يصيب ثقب المفتاح، أعتبر نفسي موظّفًا مكلّفًا بتحضير مجلّة كاريكاتوريّة حول الشعر العربيّ الحديث منذ بدايته حتّى اليوم. حول الشعر الذي لا ينزل في خانة الشعر. في ما يطلق عليه لقب شاعرة وشاعر يصرفان الحبر هباء.

كم بابًا أحتاج؟ خمسة؟ ستّة؟ سبعة؟ لا يهمّ. المهمّ أن أجد الكلب الذي سيحرس باب الكهف كي لا تخرج المأساة قبل أوانها. فربّما بعد عشرة آلاف عام نذهب إلى السوق كي نشتري ببضاعتنا شيئًا. فيقال: هذه بضاعة الأوّلين ربّما.

آمنوا تصحّوا:

الحمد لله

جميع الشعراء الذين كتبوا كي يتغلّبوا على الموت،

ماتوا

أو على فراش الموت أو سيموتون في وقت قريب.

كلمات متقاطعة:

في العادة تأتي هذه الفقرة في الباب الأخير، ولكنّها للشعر العربيّ الحديث أهمّ في الأبواب الأولى.

شعر أم خربشات في مصحّ الأمراض العقليّة والنفسيّة.

لا فرق. المهمّ حبر.

للشاعرات:

يُصفّق لفروجكنّ وبعد أعوام يُصفّق شفقة لتجاعيدكنّ.

هذه سنّة الحياة: تنّورة مقابل دشداشة.

قصيدة خالية من العادة الشهريّة مقابل تصفيق خال من التستوسترون.

للشعراء:

كونوا يساريّين. فهذا هو مفتاح الأوكار التي يجتمع فيها مدّعو الثورات والأنذال والعاطلون عن العمل الذين يحجزون طاولة في المقهى طيلة النهار على فنجان إسبرسو.

فضائح – شارلي إيبدو:

محمد شاعر عربيّ يجامع فتاة مسيحيّة على شواطئ إسبانيا تضع صليبًا بين نهديها.

متى سيأتي دور جورج وعائشة؟

حكمة:

تملّقوا، تُترجموا، تنجحوا.

أسرار:

على ذمّة طلاب خليل حاوي أنّه كان في صدد تأليف كتاب في الشعر العربيّ الحديث عنوانه "أولاد العاهرة".

كلّ من لا يعجبه شعره سيضعه فيه.

حقائق:

لا داعي أن تغربل طنّا من الرمل إن كنتَ جائعًا،

على أمل أن تجد حبيبة من الذهب.

موسيقى:

في كلّ قيثارة اسم لهوميروس.

في كلّ أذن إيقاع لعنترة ولأبي نواس والمتنبّي. من أنتم بعد مائة عام؟

من أنتم في النوتات بعد ألف عام؟

ثقافة:

افتحوا مخطوطات نيتشه وجلال الدين الرومي وكلّ ما أنزل الغرب لنفسه لا لكم

من سلطان

احفظوا جملة غيبًا

وتأثّروا...

وتفلسفوا...

كمثل الحمار يحمل أسفارا.

بريد القرّاء – خواطر:

لو كانت هذه الغابة لي

لما تجرّأت على أن أكون حارسًا على بابها

ولانتظرتك في آخر الشارع يا حبيبي

تخرج من اللامرئيّ من أشجارها

حاملاً قلبي الذي ضيّعته فيها من زمان.

لو كانت هذه الغابة لي

لما تجرّأت على أن أكون كنّاس دروبها،

فلطالما "حجاب التاج" ليس في عنقي

أخاف من أن يخرج لي الغول من تحت أحجارها.

 

*كاتب وباحث لبناني/بروكسل

 


كلمات البحث


الاكثر شهرة

أسئلة مباحة في زمن صعب!!

  أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين*       هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...

سورية قادرة على النهوض من جديد!!

  سورية قادرة على النهوض من جديد!! فن ومدن*   في ليلة مفعمة بالمشاعر والأمل، اجتمع أبناء الجالية...

"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..

  "محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..   * درويش استلافاته كثي...

مطار دمشق

أفضل طيران في العالم.. أول الواصلين إلى دمشق❤️   الخطوط الجوية القطرية تستأنف رحلاتها الجوية...

تابعونا