ارفعوا أيديكم عن اسم الكتلة الوطنية السورية

د. تمام كيلاني
ارفعوا أيديكم عن اسم الكتلة الوطنية السورية
د. تمام كيلاني*
لم يكن اسم الكتلة الوطنية السورية يوماً شعاراً سياسياً عابراً، ولا واجهةً للزعامات المزيّفة، ولا ورقةً في سوق المساومات. بل كان عنواناً لتجربة وطنية فريدة أسّسها رجالٌ عظام خرجوا من قلب الأمة السورية، وحملوا مشروع الدولة والاستقلال على أكتافهم، وكتبوا بعرقهم وصبرهم ودمائهم الصفحة الأجمل من تاريخ سوريا الحديث.
من هاشم بك الأتاسي إلى فارس الخوري، من إبراهيم هنانو إلى سعد الله الجابري، من عبد القادر الكيلاني إلى شكري القوتلي وسائر الرعيل الأول، لم تكن الكتلة الوطنية مجرد تجمع سياسي، بل كانت ضميراً جمعياً للأمة السورية، جمعت المسلم والمسيحي، ابن المدينة وابن الريف، ابن الساحل وابن الداخل، على كلمة واحدة: الحرية والاستقلال وبناء الدولة الوطنية.
اليوم، بعد كل ما جرى لسوريا من مآسٍ وتمزيق وتآمر وتدخلات، يخرج علينا بعض المارقين ليحاولوا سرقة هذا الاسم الشريف، وتدنيسه بتجاربهم الملتبسة ومواقفهم المتذبذبة. أسماء لم يعرف عنها سوى التقلب بين الأحضان، من معارضات مصطنعة إلى ائتلافات هشّة، ومن منابر ممولة إلى مشاريع مشبوهة، حتى إذا لفظتهم جميع الجهات، عادوا يبحثون عن لافتة تقيهم العزلة، فلم يجدوا سوى الاسم الأقدس: الكتلة الوطنية السورية.
لكن الفارق واضح بين من صنع التاريخ ومن يحاول سرقته:
- الأوائل قاوموا الاستعمار بصدورهم العارية، قادوا المظاهرات، دخلوا السجون، نفوا إلى المنافي، ثم عادوا ليجلسوا على مقاعد الدولة المستقلة.
- أما المدّعون اليوم فما عرفنا عنهم إلا الترحال بين عواصم الفنادق، يعقدون مؤتمرات تحت رعاية هذا السفير أو ذاك المموّل، يبيعون مواقفهم ويشترون مواقع إعلامية مؤقتة، ثم يتنصّلون من كل شيء عندما تنقلب الظروف.
لو عاد رجال الكتلة الوطنية حقاً إلى حاضرنا، لقالوا لهؤلاء:
“ارفعوا أيديكم عن سوريا. سوريا ليست لكم. أنتم لا تمثلون إلا أنفسكم. رأيناكم ماذا فعلتم حين ادّعيتم أنكم معارضة، فلم تجلبوا سوى التشرذم والارتهان. والآن تريدون سرقة اسمنا؟ لا وألف لا.”
إن الكتلة الوطنية لم تكن يوماً ملكاً لشخص أو لفئة، بل كانت ملكاً للشعب السوري كلّه. ومن يظن أنه قادر على توظيف هذا الاسم المجيد في مشاريع ضيقة أو صفقات عابرة، إنما يسيء لنفسه قبل أن يسيء لسوريا.
الكتلة الوطنية السورية ستبقى رمزاً للاستقلال والكرامة والوفاء لتضحيات الآباء، ولن يستطيع أحد أن يختزلها أو يشوّهها. وسيظل السوريون أوفياء لذكراها، يرفعونها عنواناً لوحدة البلاد، لا أداةً لمناورات رخيصة.
فليرحل المدّعون، ولتبقَ الكتلة الوطنية أمانة في ضمير الشعب، لا لافتة في يد الطارئين.
*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بالنمسا
كلمات البحث
إقرأ أيضًا
اللقاءات الدورية تعود إلى مقر الاطباء العرب بالنمسا !
الأحزاب القومية بين الشعارات والممارسات: قراءة تحليلية
فن التصفيق المستدام: مهارات الحفاظ على راحة اليد دون التوقف عن التصفيق لساعات
الثورة السورية.. انتصار الإنسان لا مكاسب الأشخاص
أزمة الدولة الوطنية في سورية بين الأكثريات والأقليات
الاكثر شهرة
أسئلة مباحة في زمن صعب!!
أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين* هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات...
المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق
المؤتمر الطبي الأوربي العربي الأول بدمشق مؤتمر الياسمين فن ومدن* تحت عنوان (الابتكارات الطب...
عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح باب الحوار
عندما يغلق المراهق بابه كيف نفتح باب الحوار ملاك صالح صالح* في الكثير من البيوت العربية،...
الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!!
الطفولة المعنّفة.. كيف تنجو من ذاكرة الجسد!! ملاك صالح صالح* قبل أن تبدأ رحلتنا في بحر ال...