ولا خيل عندك تعطيها ولا مال

ولا خيل عندك تعطيها ولا مال
د. تمام كيلاني رئيس اتحاد الاطباء العرب بالنمسا

 

ولا خيل عندك تعطيها ولا مال

د. تمام كيلاني*

 

قال المتنبي في واحد من أبياته الخالدة:

“ولا خيل عندك تعطيها ولا مال … فليُسعِدِ النطقُ إن لم تُسعِدِ الحالُ”

 

إنها ليست مجرد كلمات شعرية عابرة، بل هي حكمة خالدة تتجاوز حدود الزمن. فالمتنبي يخاطبنا جميعاً: قد لا تملك الخيل التي يكرم بها العرب، وقد لا تملك المال الذي يشتري به الناس المظاهر، لكنك تملك شيئاً أعظم من ذلك كله: كلمة صادقة، وفعل نافع، وموقف شجاع يرفعك فوق الأغنياء وأصحاب الجاه.

 

في هذه الدنيا، كثيرون يظنون أن قيمة الإنسان تقاس بما يملك من ثروة أو جاه. لكن الحقيقة أن المال يفنى، والخيل تزول، والمناصب تنتهي، بينما يبقى الأثر الذي يصنعه الإنسان في مجتمعه ووطنه وأهله. كم من فقير عاش بسيطاً، لكنه ترك أثراً خالداً بصدق عمله وإخلاصه، حتى صار اسمه محفوراً في القلوب. وكم من ثري عاش غنياً، لكن لم يذكره الناس بخير، لأنه لم يقدّم شيئاً باقياً.

 

الإنسان في هذه البلاد – وربما في كثير من البلاد – قد لا يستطيع أن يجمع الأموال الطائلة، ولا أن يعيش حياة الترف والبذخ. لكنه قادر أن يكون غنياً بالعطاء، ثرياً بالروح، عزيزاً بمواقفه.

قد لا تملك مالاً تبذله، لكنك تستطيع أن تعطي وقتك لمساعدة زملائك.

قد لا تملك قصوراً تُفتح أبوابها للناس، لكنك تستطيع أن تفتح قلبك لهم بالابتسامة والكلمة الطيبة.

قد لا تملك ذهباً توزعه على مجتمعك، لكنك تستطيع أن تخدمه بجهدك وفكرك وعملك المخلص.

 

هذا هو الثراء الحقيقي: أن تكون خادماً لمجتمعك، عوناً لجيرانك وزملائك، سنداً لوطنك، صوتاً للحق، ومصدراً للأمل. هذا هو الثراء الذي لا تحصيه البنوك ولا تخزنه الخزائن، بل تحمله القلوب وترويه الألسن جيلاً بعد جيل.

 

المتنبي أراد أن يقول لنا إن المجد لا يُشترى، بل يُصنع. يصنعه السيف في يد الشجاع، ويصنعه اللسان في فم الصادق، ويصنعه العمل في يد المخلص. وإذا لم يكن في يدك ذهب ولا خيل، ففي قلبك وفكرك ولسانك ما هو أغلى من كل ذهب الدنيا.

 

فلنجعل هذا البيت نبراساً لحياتنا: “ولا خيل عندك تعطيها ولا مال.. فليُسعِد النطق إن لم تُسعِد الحال”.

لنترك أثراً نافعاً في مجتمعنا وجاليتنا وزملائنا ووطننا. فالمال يزول، والمظاهر تختفي، لكن ما يبقى هو الذكر الطيب والأعمال الخالدة التي تعيش بعدنا.

 

*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بالنمسا.


تعليق / الرد من

إقرأ أيضًا

بوابة فيينا

فيينا تُضيء شمس الأمل: حفل خيري نصرة لحماة

فيينا تُضيء شمس الأمل: حفل خيري نصرة لحماة
بوابة فيينا

هنا حماة من فيينا!! اتحاد الاطباء العرب بالنمسا يساند دعم القطاع الصحي بحماة

هنا حماة من فيينا!! اتحاد الاطباء العرب بالنمسا يساند دعم القطاع الصحي بحماة
بوابة فيينا

بيان رسمي حول ختام زيارة د. تمام كيلاني إلى الجمهورية العربية السورية

بيان رسمي حول ختام زيارة د. تمام كيلاني إلى الجمهورية العربية السورية
بوابة فيينا

بيان حول ملف الاطفال المفقودين في سورية!! بيان صادر عن الجمعية الطبية الأوروبية العربية

بيان حول ملف الاطفال المفقودين في سورية!! بيان صادر عن الجمعية الطبية الأوروبية العربية
بوابة فيينا

سوريا بين عهدين… من دولة القانون إلى دولة الخوف!!

سوريا بين عهدين… من دولة القانون إلى دولة الخوف!!
بوابة فيينا

حماة… مدينةٌ تُقاوِمُ بالمبادئ، وتنهضُ بالرجال

حماة… مدينةٌ تُقاوِمُ بالمبادئ، وتنهضُ بالرجال
بوابة فيينا

إمّا أن تعود إلى الساعة الرملية أو تستسلم لواقع الحياة الحديثة

إمّا أن تعود إلى الساعة الرملية أو تستسلم لواقع الحياة الحديثة
بوابة فيينا

رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب

رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
بوابة فيينا

الاشهار الرسمي للجمعية الوطنية السورية بالنمسا!!

الاشهار الرسمي للجمعية الوطنية السورية بالنمسا!!


الاكثر شهرة

تابعونا


جارٍ التحميل...